إن الكثير من نماذج وتقنيات البرمجة اللغوية العصبية يعين على استفتاء القلب وإثارة اللاشعور. ويذكر الحديث النبوي الشريف أهمية الاستشارة والاستخارة، لذلك يقال : (ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار). ويشير حديث آخر عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن استفتاء القلب: (استفت قلبك، ولو أفتاك الناس وأفتوك). ولنتذكر أن الفرق بين النموذج اللغوي والتقنية والعصبية والاسترخاء.
نحول النشاط الإنساني اللاإرادي إلى تصرف إرادي والأمر هنا لا ينطبق على الجوانب الشرعية، بل هو في الاستفتاء والاستئناس بما في القلب، أو اللاشعور، وسمه ما شئت، عن أمور الحياة الشخصية، فكيف يتم هذا الاستفتاء؟
إن هذا الاستفتاء شبيه بما يتم في الحوار الذاتي، ولكنه في الحوار الذاتي يتم لا إراديا وعشوائيا. وكما يتم التذكير دوما أن أحد فوائد البرمجة اللغوية العصبية أنها تحول النشاط الإنساني اللاواعي إلى تصرف إرادي وبالعقل الواعي. وتقوم البرمجة اللغوية العصبية، بإعطائك الوسائل التي تعينك على هذا الاستفتاء القلبي.
الخلط الصوريوهنا تأتي هذه التقنية العصبية، مهارة في الاتصال الذاتي، للتعرف على (النوايا والأهداف الخفية)، وطرح واستخراج الأغراض العميقة إلى السطح وذلك بهدف التعامل معها بكل وضوح.
كذلك فإن طاقة الإنسان - بكامل قوتها - لم يتم "استثمارها"، وبالذات طاقات وقدرات العقل اللاواعي، والتي تحوي المخزون الاستراتيجي الذي تم تجميعه طوال تاريخ الفرد، هذا هو المخزون الأول. أما المخزون الثاني فهو بما وهبك الله من تعليم للأسماء كلها. ونحن نحتاج إلى التواصل مع هذين المخزونين لنستفيد من قدراتهما الوفيرة التي وهبنا الله لعبادته وعمارة أرضه. وكما يتم ذلك في أغلب نماذج وتقنيات البرمجة اللغوية العصبية للتواصل مع مخزون اللاشعور، فكذلك هنا في هذه التقنية العصبية سوف نتواصل مع هذا المخزون لنستثمره.
ومن المفيد في تطوير الذات أن تنظر إليها على أنها تحتوي على "أجزاء". وإذا أردت أن ترى ذلك في نفسك أو في غيرك، فانظر إلى الفرد الواحد وهو يتحدث عن موضوع معين في حياته. ثم انظر إلى نفس الشخص وهو يتحدث عن موضوع آخر في حياته كذلك. وهكذا في ثالث ورابع. سوف تجد الفرد نفسه يتصرف في كل حالة بطريقة "مختلفة" في الحديث والصوت والتنفس والتصرف وطريقة الجلوس
الخلط الصوريوالحركة، كل كيانه كأنه أربعة أجزاء، أو أكثر، في شخص واحد. بل إن هذا التنوع قد يظهر أثناء حديث نفس الشخص عن أحد جوانب حياته، حيث تشاهد تحرك اليدين بطريقة متناقضة. وذلك إشارة إلى تناقض بين الأجزاء.
وإن من أهم أسباب "ضعف" الطاقة هو "تنازع" النفس بين ألأجزاء والأهداف المنتشرة والمتناقضة في حياة الفرد. وسبب ذلك يعود إلى عدم وضوح الأهداف، أو كما يقال بسبب اللعب بأوراق غير مكشوفة. لذلك فإن من أقوى أسباب انتصار هذا التخصص الجديد هو اعتماده على (الوضوح في التواصل) بين العقل الواعي والعقل اللاواعي، وبين أجزاء النفس الواحدة. وذلك لتحقيق قول الحق سبحانه: (سَلَمَا لرجل)، بدلا من أن تكون: (لرجل فيه شُركاء مُتشاكسون).
وذلك يعني أن التناقض & الحيرة في أهداف وطموحات الشخص الواحد، يؤدي إلى ضعف الإنتاجية، بل قد يصل إلى مرض انفصام الشخصية، أو السير أثناء النوم، بل قد يصل إلى ارتكاب الجرائم، أو مجرد الهلوسة أثناء النوم. وكل ذلك سببه ما ذُكر سابقا من عدم توافق الأجزاء في الإنسان الواحد.
ولنتذكر بداية ما سبق قوله من أن (وراء كل سلوك نية نفعية). ونتذكر بالطبع أننا نقصد بذلك النوايا البعيدة والخفية، وليس النوايا القريبة. ذلك أن الذي يقوم بعمل محرم لا نبحث له عن نية إيجابية، بل نبحث له عن النوايا البعيدة والخفية عن عقله الواعي.
وإذا بحثت عن النوايا البعيدة والخفية، فسوف تجد دوما النية النفعية والإيجابية حتما، فالأصل في الفطرة الإنسانية النقاء والصفاء. وهذا ما نسعى إليه : أن "نوصل" بين الإنسان مع أصله الفطري. لذلك سوف نسعى هنا إلى التعرف على النوايا وراء أجزاء النفس المتناحرة والمتناقضة، أو المختلفة على الأقل. لذلك نبدأ في الحوار بين الأجزاء للبحث عن النوايا والأهداف، ليتم كشف الأوراق بين ما تعي وبين ما لا تعي.
ولنتذكر هنا كذلك نموذج (المرسيدس) وكيف أن كل من العواطف، والأفكار، والسلوك يؤثر كل منهما على الآخر. لذلك فإذا تم التحاور مع المشاعر أو الأفكار فإن ذلك الحوار ستظهر اثاره على السلوك الجسدي، مثل معالم الوجه ودرجة التنفس وهز القدم. لذلك يقوم علم المعايرة والفراسة كله يقوم على أثر الفكر والعواطف على الجسد.
لذلك تقوم هذه التقنية العصبية على محاولة الدمج بين جانبين في النفس، نعاني في حياتنا بسبب ما بينهما من تناقض أو صراع أو مجرد اختلاف، أو فقط للتعرف على الأهداف ولإيضاح الغموض والحيرة بين جانبين. ولن يتم هنا خلط لأي صورة، وكذلك الاسم (الصوري) هو لمجرد الخيال، حيث أننا سوف نتصور الجانبين، ونحاول أن نخلط بينهما من خلال هذه التقنية.
والخلط هنا يعني التقريب بين وجهات النظر لجانبين في النفس للوصول إلى هدف مشترك بينهما فيه مصلحة الذات. وهنا سوف تجتمع جوانب الكيان، فلا تتصارع، ويتم الوئام النفسي، ويتم توحيد عناصر الكيان: فتقوى الطاقة عبر التوحد، بدلا من أن تضيع في الصراع.
هذا الخلط يتم من خلال (مناقشة أهداف، خاصة البعيدة) كل جانب، ثم محاولة التقريب بين الجانبين، ثم الخلط بينهما. هذان الجانبان هما أجزاء من حياة الإنسان ولكن بينهما صراع، مثال ذلك جانب من شخصيتي وأنا (مدرس)، وجانب آخر في شخصيتي وأنا (أب) لأسرة. هذا النزاع يؤدي إلى ضعف الطاقة وذلك (لتجاذبها بين متنازعين).
بل، وحتى إذا لم يؤد الصراع إلى ضعف طاقة، فإن هذا الخلاف يؤدي إلى تلبية رغبات واحتياجات جانب على حساب جانب آخر، بل وإلى مشاكل نفسية أو عائلية، بل وقد يصل إلى الأمراض الجسمية، وقد يتضاعف الأمر إلى مالا يحمد عقباه، لذلك يتوجب التوفيق بين الأجزاء.
لذلك سوف نطلب من اللاشعور أن يتواصل مع الجانبين ليتعرف على أهداف الآخر ثم يسعى للتوفيق بينهما. ويشترط هنا لأداء هذه التقنية أن يتم تمرين المستفيد على الخيال، حتى يصبح الخيال عنده كأنه حقيقة.
وقبل أن نبدأ في التمرين لا بد من الإشارة إلى أن النتيجة قد لا تكون التوافق بين الأجزاء، حيث إن أحدهما قد يتنازل عن بعض احتياجاته لصالح الآخر. وقد تصل إلى قناعة بأن أحدهما غير مهم لأن أهدافه قد اتضحت وأنها غير ما كان يتوقع ويأمل.
كذلك فإن المهم في أي نوع من التواصل هو الوضوح في التعامل، حتى مع الذات، وبالذات مع اللاشعور الذي، رغم قدراته الكبيرة، يسيء فهم العموميات وينتظر منك التفاصيل الدقيقة ليعطيك مرادك من الدعم والطاقة، بعد أن تعطيه أنت أوامر وتوجيهات دقيقة، وتخيل أنك تريد إصابة هدف وأنت مغمض العينين، أو على الأقل بدون أن توجه سهمك نحو الهدف بدقة عالية.
وسوف يتم تطبيق هذه التقنية العصبية من خلال الاسترخاء، حيث تتحرك اليدين بدون شعور وإرادة من الشخص نفسه، كأنه منوم، ولكنه ليس كذلك، وهناك سوف تتحرك الأعضاء لا شعوريا. ومستقبلا، بدون الاسترخاء، سوف تصير هذه التقنية العصبية، وكل تقنية عصبية إلى نموذج لغوي. والعكس كذلك صحيح فمن خلال الاسترخاء يتحول النموذج اللغوي إلى تقنية عصبية.
وقبل أن نمضي قُدما في هذه التقنية العصبية، يتوجب التنبيه أننا، بالذات في هذه التقنية أكثر من غيرها على باب خطر يتوجب الولوج فيه بحذر. هذا الباب هو حساسية وغموض التواصل مع اللاشعور. ونسعى في البرمجة اللغوية العصبية - فيما نسعى إليه - أن نتواصل مع مخزوننا الاستراتيجي، الذي تم تخزينه في العقل اللاواعي منذ مراحل الحمل والولادة، إضافة إلى الموروث الرباني من الأسماء.
ويتم تطبيق التقنية من خلال الخطوات التالية، بعد تحقيق الوئام والاسترخاء، أو على الأقل التركيز الداخلي :
1. حدد الأجزاء التي تريد أن توفق بينهما، ولنقل هنا، مثلا، أنهما (المدرس) & (الأب)، ولا يشترط تسميتهما، بل قد يكفي الإشارة إليهما برمز يعرفه ويحدده المستفيد، حفاظا على السرية،
2. تخيل الجانب الأول، وهو (المدرس)، مثلا، في اليد اليمين; والجانب الثاني، وهو (الأب) في اليد اليسار، وفي نفس الوقت لا تنس نفسك كما هي حقيقة، ولكن هناك جانبان منك على كلتا يديك، وهنا اجعل يديك في موضع فوق فخذيك، سواء عليهما أو مرتفعة في الهواء قليلا فوق قدميك، بحيث تكون اليد اليمين فوق الفخذ اليمين،
3. واليد اليسار فوق الفخذ اليسار، أو تكون ممدودة فوق قدمك على ركبتك،
4.
الخلط الصوريوأنت تفكر في جانب (المدرس)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من التدريس؟ ما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
5. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليمنى قليلا إلى الأعلى، أو فقط اجعلها تقترب فوق فخذك اليمنى إلى بطنك بعيدا عن ركبتك، بعد أن كانت يدك ممدودة عند ركبتك اليمنى، والأفضل أن يتم هذا التحرك لا إراديا. لذلك توجب تحقيق الاسترخاء قدر الإمكان قبل البدء بالتقنية. المقصود هنا أن يتحرك العضو بناء على توجيه من العقل اللاواعي، دون إرادتك. وسوف يتم هذا التحرك لا إراديا، فقط، أذا تم الاسترخاء بطريقة عميقة.
6. وأنت تفكر في جانب (الأب)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من الأبوة؟ ما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه؟ ركِّز في البحث عن الإجابة،
7. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليسار قليلا إلى الأعلى، أو مجرد اجعلها تقترب فوق فخذك اليسار، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليسار، ولكن الأفضل، كما قيل سابقا، أن يتم هذا التحرك لا إراديا. لذلك توجب تحقيق الاسترخاء قدر الإمكان قبل البدء بالتقنية. المقصود هنا أن يتحرك العضو بناء على توجيه من العقل اللاواعي، دون إرادتك. وهكذا إلى بقية الخطوات،
8. وأنت تفكر في جانب (المدرس)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من هدفه السابق ذكره؟ ما هو الهدف الأعلى من ذلك الهدف، والذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
9. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليمنى قليلا إلى الأعلى، أو اجعلها تقترب فوق فخذك اليمنى، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليمنى،
10. وأنت تفكر في جانب (الأب)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من هدفه السابق؟ ما هو الهدف الأعلى من ذلك الهدف والذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
11.إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليسرى قليلا إلى الأعلى، أو اجعلها تقترب فوق فخذك اليسرى، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليسرى، وهكذا انتقل بين الجانبين لتصل معهما إلى (أهداف أعلى) من السابقة، وهكذا، حتى تصل إلى طريق مسدود لا أهداف بعده،
12.ركز ذهنك على جانب (الأب)، واسأله عن أهداف جانب التدريس؟ هل هو راض عنها؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت،
13.إذا لم يكن جانب (الأب) راض عن أهداف جانب (المدرس)، فارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف أسمى يسعى إليها،
14.ارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأب) ما رأيه فيها؟ هل هو راض عنها الآن؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت، وإلا كرر الخطوات (11، 12)، حتى تصل إلى رضا تام من جانب (الأبوة) عن أهداف جانب (التدريس)،
15.
الخلط الصوريركز ذهنك على جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأبوة)؟ هل هو راض عنها؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت،
16.إذا لم يكن جانب (المدرس) راضيا عن أهداف جانب (الأب)، فارجع إلى جانب (الأب)، واسأله عن أهداف أسمى يسعى إليها،
17.ارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأبوة) ما رأيه فيها؟ هل هو راضٍ عنها الآن؟ إذا كان راضيا فبها ونعمت، وإلا كرر الخطوات (14، 15)، حتى تصل إلى رضا تام من جانب التدريس عن أهداف جانب الأبوة،
18.ولكي تستفيد من إمكانيات كل قدرة وجانب، اطلب من كل جانب أن يزود الآخر بما يملكه كل جانب من قدرات مهارات ونصائح. بل اطلب من جانب أن يقترح للآخر ما قد يحتاجه من إمكانيات ليطور من جانبه،
19.إدا تم الرضا التام والتوافق بين الأهداف من كل جانب عن الآخر فاطلب من الجانبين أن يقتربا من بعضهما الآخر، رويدا وبتمهل وتدريجيا، حتى تتشابك الأصابع، ثم ضمهما إلى صدرك، هنا حصل (الخلط الصوري) بين جانبين في حياتك، فلا صداع ولا صراع نفسي بعد اليوم بين أجزاء النفس، بل توافق، كما ذكر تعالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). أما الآخر الذي لم يوفِق بين جوانب نفسه. فينطبق عليه قول الحق سبحانه: (وكان أمره فرطا). بل ينطبق علينا قول الله عز وجل أننا (سلما لرجل) ولسنا، عياذا بالله (رجلا فيه رجال متشاكسون). ونستطيع أن نطبق هذه التقنية العصبية كأنها نموذج لغوي على هيئة حوار يكون بين شخصين، أو مؤسستين، بل وبين دولتين، أو بين جيلين، بينهما اختلاف في وجهات النظر، فيتم التقريب بينهما بنفس الطريقة. وبذلك نعطي الفرصة لكل منهما أن يشرح هدفه دون مقاطعة الآخر. وفي النهاية أو قبلها نسأل كل طرف عن رأيه في الأهداف العليا والنهائية للطرف الآخر. وهكذا كما تم في التمرين مع ذات النفس وأجزائها، يمكن أن يتم التقارب بين الزوجين والأصدقاء والشركاء بل وبين الأعداء عبر بيان ما يجمع بينهما وعبر بيان حقيقة ما يريد كل طرف.
نحول النشاط الإنساني اللاإرادي إلى تصرف إرادي والأمر هنا لا ينطبق على الجوانب الشرعية، بل هو في الاستفتاء والاستئناس بما في القلب، أو اللاشعور، وسمه ما شئت، عن أمور الحياة الشخصية، فكيف يتم هذا الاستفتاء؟
إن هذا الاستفتاء شبيه بما يتم في الحوار الذاتي، ولكنه في الحوار الذاتي يتم لا إراديا وعشوائيا. وكما يتم التذكير دوما أن أحد فوائد البرمجة اللغوية العصبية أنها تحول النشاط الإنساني اللاواعي إلى تصرف إرادي وبالعقل الواعي. وتقوم البرمجة اللغوية العصبية، بإعطائك الوسائل التي تعينك على هذا الاستفتاء القلبي.
الخلط الصوريوهنا تأتي هذه التقنية العصبية، مهارة في الاتصال الذاتي، للتعرف على (النوايا والأهداف الخفية)، وطرح واستخراج الأغراض العميقة إلى السطح وذلك بهدف التعامل معها بكل وضوح.
كذلك فإن طاقة الإنسان - بكامل قوتها - لم يتم "استثمارها"، وبالذات طاقات وقدرات العقل اللاواعي، والتي تحوي المخزون الاستراتيجي الذي تم تجميعه طوال تاريخ الفرد، هذا هو المخزون الأول. أما المخزون الثاني فهو بما وهبك الله من تعليم للأسماء كلها. ونحن نحتاج إلى التواصل مع هذين المخزونين لنستفيد من قدراتهما الوفيرة التي وهبنا الله لعبادته وعمارة أرضه. وكما يتم ذلك في أغلب نماذج وتقنيات البرمجة اللغوية العصبية للتواصل مع مخزون اللاشعور، فكذلك هنا في هذه التقنية العصبية سوف نتواصل مع هذا المخزون لنستثمره.
ومن المفيد في تطوير الذات أن تنظر إليها على أنها تحتوي على "أجزاء". وإذا أردت أن ترى ذلك في نفسك أو في غيرك، فانظر إلى الفرد الواحد وهو يتحدث عن موضوع معين في حياته. ثم انظر إلى نفس الشخص وهو يتحدث عن موضوع آخر في حياته كذلك. وهكذا في ثالث ورابع. سوف تجد الفرد نفسه يتصرف في كل حالة بطريقة "مختلفة" في الحديث والصوت والتنفس والتصرف وطريقة الجلوس
الخلط الصوريوالحركة، كل كيانه كأنه أربعة أجزاء، أو أكثر، في شخص واحد. بل إن هذا التنوع قد يظهر أثناء حديث نفس الشخص عن أحد جوانب حياته، حيث تشاهد تحرك اليدين بطريقة متناقضة. وذلك إشارة إلى تناقض بين الأجزاء.
وإن من أهم أسباب "ضعف" الطاقة هو "تنازع" النفس بين ألأجزاء والأهداف المنتشرة والمتناقضة في حياة الفرد. وسبب ذلك يعود إلى عدم وضوح الأهداف، أو كما يقال بسبب اللعب بأوراق غير مكشوفة. لذلك فإن من أقوى أسباب انتصار هذا التخصص الجديد هو اعتماده على (الوضوح في التواصل) بين العقل الواعي والعقل اللاواعي، وبين أجزاء النفس الواحدة. وذلك لتحقيق قول الحق سبحانه: (سَلَمَا لرجل)، بدلا من أن تكون: (لرجل فيه شُركاء مُتشاكسون).
وذلك يعني أن التناقض & الحيرة في أهداف وطموحات الشخص الواحد، يؤدي إلى ضعف الإنتاجية، بل قد يصل إلى مرض انفصام الشخصية، أو السير أثناء النوم، بل قد يصل إلى ارتكاب الجرائم، أو مجرد الهلوسة أثناء النوم. وكل ذلك سببه ما ذُكر سابقا من عدم توافق الأجزاء في الإنسان الواحد.
ولنتذكر بداية ما سبق قوله من أن (وراء كل سلوك نية نفعية). ونتذكر بالطبع أننا نقصد بذلك النوايا البعيدة والخفية، وليس النوايا القريبة. ذلك أن الذي يقوم بعمل محرم لا نبحث له عن نية إيجابية، بل نبحث له عن النوايا البعيدة والخفية عن عقله الواعي.
وإذا بحثت عن النوايا البعيدة والخفية، فسوف تجد دوما النية النفعية والإيجابية حتما، فالأصل في الفطرة الإنسانية النقاء والصفاء. وهذا ما نسعى إليه : أن "نوصل" بين الإنسان مع أصله الفطري. لذلك سوف نسعى هنا إلى التعرف على النوايا وراء أجزاء النفس المتناحرة والمتناقضة، أو المختلفة على الأقل. لذلك نبدأ في الحوار بين الأجزاء للبحث عن النوايا والأهداف، ليتم كشف الأوراق بين ما تعي وبين ما لا تعي.
ولنتذكر هنا كذلك نموذج (المرسيدس) وكيف أن كل من العواطف، والأفكار، والسلوك يؤثر كل منهما على الآخر. لذلك فإذا تم التحاور مع المشاعر أو الأفكار فإن ذلك الحوار ستظهر اثاره على السلوك الجسدي، مثل معالم الوجه ودرجة التنفس وهز القدم. لذلك يقوم علم المعايرة والفراسة كله يقوم على أثر الفكر والعواطف على الجسد.
لذلك تقوم هذه التقنية العصبية على محاولة الدمج بين جانبين في النفس، نعاني في حياتنا بسبب ما بينهما من تناقض أو صراع أو مجرد اختلاف، أو فقط للتعرف على الأهداف ولإيضاح الغموض والحيرة بين جانبين. ولن يتم هنا خلط لأي صورة، وكذلك الاسم (الصوري) هو لمجرد الخيال، حيث أننا سوف نتصور الجانبين، ونحاول أن نخلط بينهما من خلال هذه التقنية.
والخلط هنا يعني التقريب بين وجهات النظر لجانبين في النفس للوصول إلى هدف مشترك بينهما فيه مصلحة الذات. وهنا سوف تجتمع جوانب الكيان، فلا تتصارع، ويتم الوئام النفسي، ويتم توحيد عناصر الكيان: فتقوى الطاقة عبر التوحد، بدلا من أن تضيع في الصراع.
هذا الخلط يتم من خلال (مناقشة أهداف، خاصة البعيدة) كل جانب، ثم محاولة التقريب بين الجانبين، ثم الخلط بينهما. هذان الجانبان هما أجزاء من حياة الإنسان ولكن بينهما صراع، مثال ذلك جانب من شخصيتي وأنا (مدرس)، وجانب آخر في شخصيتي وأنا (أب) لأسرة. هذا النزاع يؤدي إلى ضعف الطاقة وذلك (لتجاذبها بين متنازعين).
بل، وحتى إذا لم يؤد الصراع إلى ضعف طاقة، فإن هذا الخلاف يؤدي إلى تلبية رغبات واحتياجات جانب على حساب جانب آخر، بل وإلى مشاكل نفسية أو عائلية، بل وقد يصل إلى الأمراض الجسمية، وقد يتضاعف الأمر إلى مالا يحمد عقباه، لذلك يتوجب التوفيق بين الأجزاء.
لذلك سوف نطلب من اللاشعور أن يتواصل مع الجانبين ليتعرف على أهداف الآخر ثم يسعى للتوفيق بينهما. ويشترط هنا لأداء هذه التقنية أن يتم تمرين المستفيد على الخيال، حتى يصبح الخيال عنده كأنه حقيقة.
وقبل أن نبدأ في التمرين لا بد من الإشارة إلى أن النتيجة قد لا تكون التوافق بين الأجزاء، حيث إن أحدهما قد يتنازل عن بعض احتياجاته لصالح الآخر. وقد تصل إلى قناعة بأن أحدهما غير مهم لأن أهدافه قد اتضحت وأنها غير ما كان يتوقع ويأمل.
كذلك فإن المهم في أي نوع من التواصل هو الوضوح في التعامل، حتى مع الذات، وبالذات مع اللاشعور الذي، رغم قدراته الكبيرة، يسيء فهم العموميات وينتظر منك التفاصيل الدقيقة ليعطيك مرادك من الدعم والطاقة، بعد أن تعطيه أنت أوامر وتوجيهات دقيقة، وتخيل أنك تريد إصابة هدف وأنت مغمض العينين، أو على الأقل بدون أن توجه سهمك نحو الهدف بدقة عالية.
وسوف يتم تطبيق هذه التقنية العصبية من خلال الاسترخاء، حيث تتحرك اليدين بدون شعور وإرادة من الشخص نفسه، كأنه منوم، ولكنه ليس كذلك، وهناك سوف تتحرك الأعضاء لا شعوريا. ومستقبلا، بدون الاسترخاء، سوف تصير هذه التقنية العصبية، وكل تقنية عصبية إلى نموذج لغوي. والعكس كذلك صحيح فمن خلال الاسترخاء يتحول النموذج اللغوي إلى تقنية عصبية.
وقبل أن نمضي قُدما في هذه التقنية العصبية، يتوجب التنبيه أننا، بالذات في هذه التقنية أكثر من غيرها على باب خطر يتوجب الولوج فيه بحذر. هذا الباب هو حساسية وغموض التواصل مع اللاشعور. ونسعى في البرمجة اللغوية العصبية - فيما نسعى إليه - أن نتواصل مع مخزوننا الاستراتيجي، الذي تم تخزينه في العقل اللاواعي منذ مراحل الحمل والولادة، إضافة إلى الموروث الرباني من الأسماء.
ويتم تطبيق التقنية من خلال الخطوات التالية، بعد تحقيق الوئام والاسترخاء، أو على الأقل التركيز الداخلي :
1. حدد الأجزاء التي تريد أن توفق بينهما، ولنقل هنا، مثلا، أنهما (المدرس) & (الأب)، ولا يشترط تسميتهما، بل قد يكفي الإشارة إليهما برمز يعرفه ويحدده المستفيد، حفاظا على السرية،
2. تخيل الجانب الأول، وهو (المدرس)، مثلا، في اليد اليمين; والجانب الثاني، وهو (الأب) في اليد اليسار، وفي نفس الوقت لا تنس نفسك كما هي حقيقة، ولكن هناك جانبان منك على كلتا يديك، وهنا اجعل يديك في موضع فوق فخذيك، سواء عليهما أو مرتفعة في الهواء قليلا فوق قدميك، بحيث تكون اليد اليمين فوق الفخذ اليمين،
3. واليد اليسار فوق الفخذ اليسار، أو تكون ممدودة فوق قدمك على ركبتك،
4.
الخلط الصوريوأنت تفكر في جانب (المدرس)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من التدريس؟ ما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
5. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليمنى قليلا إلى الأعلى، أو فقط اجعلها تقترب فوق فخذك اليمنى إلى بطنك بعيدا عن ركبتك، بعد أن كانت يدك ممدودة عند ركبتك اليمنى، والأفضل أن يتم هذا التحرك لا إراديا. لذلك توجب تحقيق الاسترخاء قدر الإمكان قبل البدء بالتقنية. المقصود هنا أن يتحرك العضو بناء على توجيه من العقل اللاواعي، دون إرادتك. وسوف يتم هذا التحرك لا إراديا، فقط، أذا تم الاسترخاء بطريقة عميقة.
6. وأنت تفكر في جانب (الأب)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من الأبوة؟ ما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه؟ ركِّز في البحث عن الإجابة،
7. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليسار قليلا إلى الأعلى، أو مجرد اجعلها تقترب فوق فخذك اليسار، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليسار، ولكن الأفضل، كما قيل سابقا، أن يتم هذا التحرك لا إراديا. لذلك توجب تحقيق الاسترخاء قدر الإمكان قبل البدء بالتقنية. المقصود هنا أن يتحرك العضو بناء على توجيه من العقل اللاواعي، دون إرادتك. وهكذا إلى بقية الخطوات،
8. وأنت تفكر في جانب (المدرس)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من هدفه السابق ذكره؟ ما هو الهدف الأعلى من ذلك الهدف، والذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
9. إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليمنى قليلا إلى الأعلى، أو اجعلها تقترب فوق فخذك اليمنى، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليمنى،
10. وأنت تفكر في جانب (الأب)، اسأل هذا الجانب ماذا يريد من هدفه السابق؟ ما هو الهدف الأعلى من ذلك الهدف والذي يسعى لتحقيقه؟ ركز في البحث عن الإجابة،
11.إذا عرفت الإجابة، ارفع يدك اليسرى قليلا إلى الأعلى، أو اجعلها تقترب فوق فخذك اليسرى، بعد أن كانت ممدودة عند ركبتك اليسرى، وهكذا انتقل بين الجانبين لتصل معهما إلى (أهداف أعلى) من السابقة، وهكذا، حتى تصل إلى طريق مسدود لا أهداف بعده،
12.ركز ذهنك على جانب (الأب)، واسأله عن أهداف جانب التدريس؟ هل هو راض عنها؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت،
13.إذا لم يكن جانب (الأب) راض عن أهداف جانب (المدرس)، فارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف أسمى يسعى إليها،
14.ارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأب) ما رأيه فيها؟ هل هو راض عنها الآن؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت، وإلا كرر الخطوات (11، 12)، حتى تصل إلى رضا تام من جانب (الأبوة) عن أهداف جانب (التدريس)،
15.
الخلط الصوريركز ذهنك على جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأبوة)؟ هل هو راض عنها؟ إذا كان راضيا، فبها ونعمت،
16.إذا لم يكن جانب (المدرس) راضيا عن أهداف جانب (الأب)، فارجع إلى جانب (الأب)، واسأله عن أهداف أسمى يسعى إليها،
17.ارجع إلى جانب (المدرس)، واسأله عن أهداف جانب (الأبوة) ما رأيه فيها؟ هل هو راضٍ عنها الآن؟ إذا كان راضيا فبها ونعمت، وإلا كرر الخطوات (14، 15)، حتى تصل إلى رضا تام من جانب التدريس عن أهداف جانب الأبوة،
18.ولكي تستفيد من إمكانيات كل قدرة وجانب، اطلب من كل جانب أن يزود الآخر بما يملكه كل جانب من قدرات مهارات ونصائح. بل اطلب من جانب أن يقترح للآخر ما قد يحتاجه من إمكانيات ليطور من جانبه،
19.إدا تم الرضا التام والتوافق بين الأهداف من كل جانب عن الآخر فاطلب من الجانبين أن يقتربا من بعضهما الآخر، رويدا وبتمهل وتدريجيا، حتى تتشابك الأصابع، ثم ضمهما إلى صدرك، هنا حصل (الخلط الصوري) بين جانبين في حياتك، فلا صداع ولا صراع نفسي بعد اليوم بين أجزاء النفس، بل توافق، كما ذكر تعالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). أما الآخر الذي لم يوفِق بين جوانب نفسه. فينطبق عليه قول الحق سبحانه: (وكان أمره فرطا). بل ينطبق علينا قول الله عز وجل أننا (سلما لرجل) ولسنا، عياذا بالله (رجلا فيه رجال متشاكسون). ونستطيع أن نطبق هذه التقنية العصبية كأنها نموذج لغوي على هيئة حوار يكون بين شخصين، أو مؤسستين، بل وبين دولتين، أو بين جيلين، بينهما اختلاف في وجهات النظر، فيتم التقريب بينهما بنفس الطريقة. وبذلك نعطي الفرصة لكل منهما أن يشرح هدفه دون مقاطعة الآخر. وفي النهاية أو قبلها نسأل كل طرف عن رأيه في الأهداف العليا والنهائية للطرف الآخر. وهكذا كما تم في التمرين مع ذات النفس وأجزائها، يمكن أن يتم التقارب بين الزوجين والأصدقاء والشركاء بل وبين الأعداء عبر بيان ما يجمع بينهما وعبر بيان حقيقة ما يريد كل طرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق