الثلاثاء، أغسطس 12، 2008

تغيير التاريخ الشخصي (أ)

فلنتذكر ما سبق قوله عن طريقة عمل العقل في جانبيه الواقعي والخيالي وكيفية التداخل بينهما، وأثر كل ذلك على الجسد في علاقة متوازية بين الاثنين : الجسد والعقل. ولنتذكر أن العقل اللاواعي لا يفرق بين حقيقة وخيال. إذاً لو تخيلت أمورا لا حقيقة لها في أرض الواقع، فإن الجسد سوف يتفاعل مع ما تتخيله، دون أي فرق بين حقيقة وخيال.
وبالطبع فإن تعامل وتفاعل أي منا مع أي حدث سوف يضيف إلى حقيقة الحدث عناصر من خياله. إذا سوف يكون هناك مزيج بين واقع حقيقي وبين خيال أضفناه إلى الحدث. والعقل سوف يسجل كل ذلك معا دون تفريق ين حقيقة وخيال. وسوف يتأثر الجسد، كقدرات وإمكانيات، بهذا المزيج.
هذا المزيج قد يكون سلبيا وقد يكون إيجابيا. وفي حالة المزيج السلبي الذي يصل إلى درجة تغيير مسار الشخصية والهوية، فإن الشخص يتغير ليصير شخصا آخر، دون نظر لحقيقة قدراته وإمكانياته، فتضيق به الأرض بما رحبت. وبالطبع سوف تتراكم الأحداث ويتراكم معه المزيج السلبي، (وما تكرر، تقرر).
إن العلاقة بين مراحل الزمن جد متداخلة، بحيث يصبح الحاضر جزءً وامتداداً للماضي. بل إن هذا التأثير يستمر إلى المستقبل. بل إن من العجيب في القول أن أحداث المستقبل التي لم تحدث أصلا يمكن أن تؤثر في الحاضر، كأن يتخيل أحدنا سلبية ما فيتأثر سلبيا في واقعه بما يتخيله سلبيا في المستقبل. وسوف يتم نقاش ذلك في تقنيات مستقبلية.
المهم هنا التعامل مع أحداث الماضي التي تؤثر في الحاضر والمستقبل. وهنا تنبع أهمية وخطورة الماضي. إذا كان هذا الماضي إيجابيا، فإنه يصبغ الحاضر والمستقبل بإيجابيته، والعكس كذلك صحيح. وبالطبع هذا القول لا ينطبق على جميع أحداث الماضي، بل على الأحداث المهمة جدا والمؤثرة، وخاصة في مرحلة الطفولة إلى سن السابعة. وكما قيل سابقا، أثناء الحديث عن فرضية (أن الخارطة في الذهن ليست هي الموقع). ويفضل أن تعود إليه، مشكورا، قبل تكملة القراءة.
إن الحدث الذي نعيشه، "نحن" الذين نصنع "معناه". هذا المعنى هو خارطة ذهنية، تصنع ردة الفعل الداخلية والخارجية. لذلك فعندما نعيش حدثا، فإننا نرسم في عقلنا صورة ذهنية عن أنفسنا. هذه الصورة الذهنية للحاضر قد ترسم مسار المستقبل.
لذلك فعندما نعيش حدثا ما، مثل قلة المال، فإن هذا الواقع يتم تسجيله مصبوغا بالمؤثرات والمرشحات الشخصية، كأنه خليط بين :
(1) حقيقة الواقع كما هو، قلة المال،
(2) ما أضفناه إلى الحدث من مؤثرات وتلوين شخصي للحدث، كأن ننظر إلى هذا العوز المالي حرمانا من متع الحياة، ودرجة دونية، بدلا من أن ننظر إليه أنه ابتلاء وشحذ للهمم والطاقات. ومن كلا الجانبين : الواقع، والمنظور الشخصي، تتكون الخارطة الذهنية.
وبالطبع، هذه الخارطة أو الرؤية الشخصية تكون قوية لدرجة أنها تصبح كأنها هي الحقيقة والواقع، الذي لا شك فيه ولا ريبة، وهي ليست سوى خيال تكرر، أنت رسمته ولونته كما تشاء. والفرد منا عندما يتذكر الحدث، فإنه يتذكر، في نفس الوقت، الخليط الممزوج بين الواقع وبين الإضافات الشخصية لردة فعلنا الشخصية. وهنا تختلط التجربة الحقيقية مع الصورة الذهنية خليطا لعناصر الحدث، ويصبحان شيئا واحدا. هل تتذكر قِلة المال، أم أنك محروم مُعذب، أو أنك مبتلى مأجور؟

لذلك فإن محور القصيد هنا هو ما نصنعه من معنى نصبغ به الحدث، صورة ذهنية في عقلنا عما حدث حولنا. هذه الصورة الذهنية هي التي تصنع ردة الفعل الداخلية والخارجية. هذا التأثير غير الحقيقي يغير تشكيل هويتنا ورؤيتنا للأحداث بل والحياة من حولنا، بل وفي نظرتنا إلى الذات، وهنا تكمن الخطورة. وهنا قد نصنع لأنفسنا مفرق طريق. وهنا قد يتغير تحرك تاريخنا الشخصي. ومحور القصد، كما سبق قوله، هو في المعنى الذي صبغنا به الحدث ولونَّاه.
لذلك يتوجب العودة إلى الحدث مرة أخرى لإعادة الصياغة من خلال رؤية جديدة للحدث. هذه الإعادة للصياغة تقوم بتحليل جديد لنفس الحدث لإعادة تشكيل ردة الفعل الداخلية والخارجية. وهكذا نعيد صناعة الماضي لتاريخنا الشخصي الذي يؤثر على الحاضر والمستقبل.
ومن أجل تلك الصياغة الشخصية السلبية للماضي، فإن الفرد منا قد يعيش أحيانا أحداثا تسبب له ـ بسبب أسلوب تفسيره للحدث معها ـ تغييرا في حياته تجعله، هذه الأحداث، ينسى نفسه ويصير شخصا آخر، ولو على الأقل في جانب من شخصيته. لذلك نحتاج إلى أن نُعيد لهذا الفرد تركيب وبرمجة شخصيته الأصلية، ليعود كما كان أصلا.
إذاً الذي حصل هنا أن هناك مجموعة من التجارب السلبية - والتي سببها المنظور السلبي، وليس حقيقة الحدث - تراكمت مؤخرا في التاريخ المعاصر والقريب للفرد. وبالطبع قد يكون هناك أصلا لها في القديم من تاريخ الفرد، خاصة مرحلة الدمغة للمرحلة العمرية ما بين سنة وسبع سنوات. هذا التراكم، بين القديم جدا والحديث، صار منعطفا قويا لدرجة أن الفرد سينسي شخصيته الحقيقة الإيجابية، ويصدق الواقع المتراكم السلبي، لأن المنظومة تصنع معلومة.
كأن التاريخ المعاصر القريب للفرد يصبح - تراكميا بالتلوين السلبي- سلبية تسيطر على هوية ونظرة الفرد إلى نفسه، وتُغير كل ما فوق ذلك من قيم وقدرات وسلوكيات، وبذلك تتغير الخريطة الذهنية التي يحملها الفرد في رأسه عن نفسه، وبذلك تغيرت كل مشاعره، وأفكاره، وسلوكياته، والتي كلها -دوما - عبارة عن ردة فعل للخارطة الذهنية.
لذلك فسوف نقوم بتوصيل هذا الفرد بمصادره الإيجابية من خلال تذكيره بالتجارب الإيجابية والتي تمتلئ بها حياته، ولكنه في غفلة عنها، ونصنع له، في كل ذكرى إيجابية، مرساة نحطم بها المرساة السلبية، ثم نُعمم المرساة الإيجابية على تاريخ حياته القريبة، والتي أصبحت سلبية. كأننا هنا نسعى إلى أن نصنع منظومة إيجابية - عبر الإرساء - لنصنع معلومة إيجابية. وبذلك نواجه المنظومة السلبية بمنظومة إيجابية كالتالي، وذلك بعد توفير صمام الأمان :
1. حقق المجاراة والوئام،
2. انتقل بالمستفيد بين التركيز الداخلي والخارجي، حتى تجعله كُليا في التركيز الخارجي،
3. ارسم على الأرض خط الزمن، وحدد خط الزمن مع المستفيد، وعادة يكون المستقبل على جهة يساره، إلا إذا كان أعسراً، لأن العرب تكتب من اليمين إلى اليسار، فالمستقبل، عادة، حيث تتجه جهة الكتابة. لاحظ أن انحراف خط الكتابة للشخص يشير إلى جهة وشكل خط زمنه. ثم حدد بدقة مكان الحاضر،
4. وأثناء وقوف المستفيد على موقع الحاضر، اجعل المستفيد يتذكر العديد من التجارب الإيجابية في حياته الماضية، مهما كانت قديمة. ساعده على ذلك - تدريجيا - بتذكيره بتفاصيل تلك الذكريات مع تطوير نميطاتها. بعد ذلك اصنع لكل تجربة مرساة، ولا بأس أن تكون كلها في مرساة واحدة. ولا بأس هنا أن ترجع به، عمليا وفعليا على خط الزمن إلى مواقع تلك التجارب الإيجابية بأن تجعله يمشي على خط الزمن ويرجع خطوات إلى الوراء كأن كل خطوة إلى الوراء تعود به سنوات إلى الماضي، ومثال ذلك أن تقول له : نرجع بهذه الخطوة إلى مرحلة أيام الدراسة الثانوية.
5. بعد أن تنتهي من هذه المراجعة لإيجابيات الماضي، تعود بالمستفيد إلى الحاضر، كأن هذه الخطوة أشبه بتكوين صمام أمان نعود إليها إذا طرأ تغيير سلبي أثناء تطبيق التقنية،
6. تذكر مع الفرد المشاعر السلبية التي يعيشها في الحاضر ، لا تجعله يعيش تفاصيلها، بل مجرد التذكر. وهنا اصنع مرساة لهذه الحالة السلبية. ثم طبق معه (البحث العميق) عن هذه المعضلة Trans-Derviational Research وفي كل مرة تعثر على تجربة سلبية مشابه لهذه الحالة، عضد المرساة السلبية. وأثناء مسيرة المستفيد على خط الزمن، اسأله : (متى بدأ هذا التحدي، وفي أي عمر كنت حين بدأ هذا التحدي؟). استمر في البحث حتى تجد ستة، أو أكثر، تجارب سلبية، وفي كل مرة حدد مكانه على خط الزمن، واستمر في البحث حتى تصل إلى أول تجربة سلبية قديمة، وحدد مكانها على خط الزمن المرسوم على الأرض بوضع علامات ملموسة على الخط،
7. ارجع مع المستفيد إلى الحاضر وغير الموضوع،
8. وهو يقف على موقع الحاضر، اسأله: ما هي المصادر والموارد والمواهب التي يملكها والتي تثبت عكس هذا المعتقد السلبي الجديد على هويته وشخصيته؟ ما هي التجارب في تاريخيه التي يمكن أن تكون مصادر يستعين بها على مقاومة هذا المعتقد السلبي الدخيل؟ اطلب منه أن يعود على خط الزمن إلى الماضي ليحدد مواقع هذه المصادر في تاريخ حياته، وفي كل مرة يجد تجربه إيجابية مضادة للشعور الحالي، اصنع مرساة لهذه المصادر، وعضدها كلما وجدت تجربة مشابهة. كأنه بحث عميق عن تجارب إيجابي، كما قمنا بالبحث العميق عن التجارب السلبية، لنتمكن من أن نقذف بالحق على الباطل فيدمغه. وبعد أن تنتهي من البحث والإرساء، ارجع بالمستفيد إلى الحاضر، وغير الموضوع،
9. ارجع مع المستفيد على خط الزمن إلى أقدم تجربة سلبية للمشاعر السلبية التي يعيشها والتي سبق أن حددنا مكانها على خط الزمن في الخطوة رقم (6). وعلى موقع هذه التجربة السلبية الأقدم تاريخيا، أطلق المرساة الإيجابية، ثم أطلق المرساة السلبية، ثم أطلق المرساة الإيجابية مرة أخرى، وتحدث إلى المستفيد قائلا له: (كيف تشعر الآن وأنت تملك جميع هذه الموارد معك في الوقت الحاضر، كيف ستجعل هذه الموارد تلك التجربة القديمة مختلفة؟). ولا بأس هنا من أن تُدخل المستفيد في خط الزمن على التجربة السلبية - بدون التوقف على الزمن الحاضر والعودة التدريجية إلى الماضي إلى موقع التجربة السلبية الحديثة - والمستفيد يحمل معه المصادر الإيجابية، كأنه يقتحم موقع الحدث السلبي وهو يحمل مصادر جديدة تعينه على نصر جديد، من خلال رؤية جديدة سببها موارد جديدة، لم يكن يحملها المستفيد في ذلك الزمن وأثناء تلك الهزيمة، كأنه في ذلك الوقت شخص، وهو الآن شخص آخر،
10. من تلك التجربة الأقدم، تقدم مع المستفيد عبر تاريخه مقتربا من الزمن الحاضر على خط الزمن متوقفا عند كل موقع لتجربة سلبية متطابقة مع موضوع التحدي، وأطلق المرساة الإيجابية وحدها فقط. والمهم هنا في هذه التقنية أن تجعل المستفيد (يعيش ذلك الحدث القديم بمنظور جديد، وهو يحمل هذه الموارد الجديدة). اطلب من المستفيد أن يلاحظ ردود أفعال الآخرين في نفس الحدث. ولا بأس أن يتخيل نفسه في موقعهم ليرى نفسه من وجهة نظرهم. استمر مع المستفيد كذلك حتى تصل معه إلى زمن الحاضر، وغير الموضوع،
11. اجعل المستفيد يتذكر المشاعر والأفكار السلبية التي يعيشها في حاضر حياته، ماذا تلاحظ، عاير الفروق؟ هل تغيرت تعبيرات الوجه وحركات الجسد؟ إذا لم يحصل تغيير، فإن التقنية لم تنجح. إذا عليك الرجوع لتثبيت المرساة الإيجابية.

وتخيل معي ما يمكن أن تقوم به، كل من وزارتي الثقافة والإعلام من جانب، مع وزارة التربية والتعليم من جانب آخر، من خلال هذه التقنية على مستوى الوطن والأمة التي أصاب العديد من أفرادها اليأس والإحباط وعدم الثقة في الهوية والكيان الشخصي للإنسان العربي المسلم.

ليست هناك تعليقات: