الأحد، أغسطس 10، 2008

(22) المواقع الإدراكية Perceptual Positions

إن النظرة الإنسانية ذات الاتجاه الواحد, مهما كان هذا الاتجاه, سوف تكون قاصرة ومحدودة. لذلك جاء الأمر الرباني, حتى لرسوله المعصوم من الخطأ صلى الله عليه وسلم: (وشاورهم في الأمر). المشورة هي - باختصار - استفادة من عقول الآخرين, وهذا هو الشخص الذكي, الذي يستفيد من ذكاء الآخرين, أما أن يعتقد الإنسان أنه أذكى من غيره, فذلك هو الغباء.

لذلك فإن الهدف هنا هو الحصول على خيارات وفرص عديدة, وذلك من خلال توسعة دائرة وحجم الاتصال. فبدلا من الرؤية الشخصية المحدودة, نضيف هنا مواقع أخرى للرؤية, فتتسع الدائرة, وبذلك تتسع وتتعدد الخيارات والفرص والوسائل. بدلا من أن نضيق واسعا. ولنخرج من حالة التجمد Stuck State.

ونحن كبشر بطبيعتنا ننطلق في كل تعاملنا مع أي معلومة من خلال خارطتنا الذهنية, والتي تحوي أفكارنا, عواطفنا, ذكرياتنا, وجهات نظرنا, مرشحاتنا الشخصية. وكل ذلك هو منظور واحد محدد وضيق - مهما كان واسعا - للحدث والمعلومة التي نعايشها. وكل ذلك التعامل محدود الخيارات. فتخيل النتيجة حين تنطلق من تصور محدود, ما هي النتيجة? قرارات محدودة. طبعا. ويشبه التمرين في هذه التقنية ما حصل في التقنية السابقة في عدد المواقع. وكذلك التشابه في النتائج المذهلة التي تصل إليها من خلال تعديد مواقع النظر والتفكير, وكل ذلك بهدف الخروج بخيارات وتصرفات عديدة, بدلا من محدودية الأفق, التي تنتج محدودية القرار ,والخيار, والتصرف.

وكما قيل سابقا عند الحديث عن الحالات, وبالذات حالة الجمود أو الطرق المسدودة والمغلقة Stuck State. كيف يكون التصرف في مثل هذه المواقف? وفي مثل مواقف الجمود تجد الواحد منا لا يعرف ما هي خريطة الآخر? كيف يفكر هذا الآخر? ما الذي يثير هذا الآخر في هذه المعلومة? كيف نبني الجسور? ما هو التصرف الصحيح والأمثل?

إن الهدف الذي ننشده هنا, ليس نسيان وضياع الحقوق, بل هو القدرة على التحرك من خلال قرارات عديدة, ومعلومات وفيرة, مما يعني فرصا أكثر في التحرك غير المتشنج, والذي سببه دوما الرؤية المحدودة. وبذلك نحقق مرونة أكبر, والتي تعني قوة وسيطرة على الحدث. وبذلك تحقق الوئام حتى مع مخالفك.

ونتذكر هنا الفرضية القائلة بأن الخارطة في الذهن ليست هي الواقع. ونحن ننطلق في تصوراتنا وتصرفاتنا من خرائطنا الذهنية. وذلك يعني محدودية التصرف, ومحدوية القرارت التي سوف تصدر من خريطة ذهنية محدودة. لذلك فعندما تحصل على خرائط ذهنية للآخرين, فإنك تحصل بذلك على خيارات عديدة, وتصرفات متنوعة, بناء على خرائط ذهنية متنوعة. هل تطمح في ذلك?

وهنا نتذكر الفرضية القائلة بأن الإنسان يملك في ماضيه ما يحتاجه من معلومات وخبرات. المهم هنا التواصل Access مع قدرت وخبرات اللا شعور الذي يحوي النفيس من المعلومات. ونتذكر هنا, كما قيل سابقا, أهمية الإخلاص في الوصول إلى الصواب, مستعينا بالله عز وجل, الفتاح العليم, والذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وليكن هدفك أن تصل إلى الحكمة والصواب, مهما كان الخيار مُرا, فالخَيار أفضل من اللا خَيار, وأن المرونة قوة, وأن ما قد تظنه شرا أو خيرا قد يكون مجرد خريطة في ذهنك لا وجود له في الواقع. لذلك كن مستعدا للتغير وذلك قوة منك.
لقد تم في جانب النميطات بيان الاتصال والانفصال وكيف أنهما سبب رئيس في التحكم في المشاعر. ذلك أن الاتصال سبب جوهري في حجم التفاعل والعاطفة تجاه تجربة ما. لذلك يُنصح دوما بالقيام بعملية الانفصال عن الحدث, ليتم النظر إليه من الخارج. بل إن هناك تجارب طبية للعلاج من الأمراض من خلال الانفصال, وتم تجريبها فعليا بالذات مع الصداع.

بل إن تقنية المواقع الثلاثة تعينك في أقل مستوياتها أن تتخيل وتتهيأ للمستقبل في كيفية إمكانية حدوثه, لتستعد له بما يتطلبه. مثال ذلك أن تتخيل الشخص الذي سوف تقابله وتتفاوض معه, كيف سيكون الحال? وكيف يفكر? وما هي النقاط التي يمكن أن يشملها التفاوض والحوار والإصلاح لذات البين? هذا الخيال والتأمل والتصور وحده سوف يفتح بين يديك أفاقاً كبيرة واسعة وتوقعا للاحتمالات والاستعداد لها, بدلا من المفاجاءات. وهذا ما يتم تسميته في علم البرمجة ب (التهيؤ المستقبلي للأحداث Future Pacing.)

لذلك فليس الهدف هو ضياع الحقوق ونسيانها, بل هو (التهيؤء والاستعداد والتزود المعلوماتي) لما قد لا نعلم. وثق أن "الحكمة" تأتي من الرؤية "المتوازنة" التي "تشمل" جميع الزوايا ومختلف القوى. أما الرؤية "المتشنجة" فسببها الرؤية "الأحادية", والتي لن تهبك إلا الفرص والخيارات "المحدودة", التي قد تندم عليها. انطر إلى الخيمة كيف تشدها وتثبتها قوى متناقظة, تم استثمارها في هدف مشترك.

وتعتمد هذه التقنية على مقدرة المحاكاة Rappor للآخر الذي ترجو الاستفادة من وجهة نظره وموقعه الإدراكي. ذلك يعني أن تكون لديك القدرة على التقمص للموقع الآخر, ولوضعه الجسدي, وهيئته الخارجيه ِExternal State, لتصل إلى الهيئة والحالة الداخلية Internal State.

لذلك فإن السر في القدرة على تحقيق الموقع الثاني والثالث هو تحقيق للمجاراة للموقع الذي تريد أن تتقمصه. ذلك يعني أن تجعل معالم جسدك وقوفا أو جلوسا ونمطا مثل الموقع الذي تريد أن تتقمصه. والزيادة هنا طردية, فبمقدار المجاراة, تزداد قدرة التقمص للموقع.

وتقوم هذه التقنية على التفكير في القضية أو الموضوع الواحد من خلال ثلاثة مواقع مختلفة, مما يتيح تصورا أوسع وأشمل ومعلومات أكثر, ونحكم ونحاكم أنفسنا بمنظور جديد. وكل ذلك بدوره يتيح الفرصة لنا بأن نخرج من حالة التجمدStuck State لنصل إلى قرارات وفرص وخيارات أكثر. كأنك أمام منظور ثلاثي الأبعاد 3-D بدلا من التأمل في صورة مصطحة 2-D. وهذه المواقع هي:

(1) الموقع الأول: النفس 1st Positin
وهي الذات أو الرؤية والنظرة الذاتية نحو الموضوع أو الفكرة أو المشروع أو التحدي, وهنا يكون قمة التفاعل مع الحدث, حيث تؤخذ الأمور شخصيا انحيازا كاملا للرؤية الشخصية Subjective, ويرى نفسه وسط الحدث كمن يمثل وسط المسرح ويرى الجمهور من حوله, كأنها تلامس الجسد والقلب, قمة الاتصال. (وهنا لا ترى أي منظور اخر, سوى وجهة نظرك الذاتية). ويكون تركيزك في هذا الموقع, وأنت تنظر إلى الحدث على محور محدداً : كيف سيؤثر هذا الحدث على شخصي وحياتي?

وقد تجد أن البعض من البشر يعيش حياته كلها من خلال هذا الموقع. لذلك تراه دوما لا يكترث بوجهة نظر الآخرين ولا بمشاعرهم. هنا قد تجد الأناني الصِرف. ولكن كذلك قد يفيد هذا الموقع إيجابيا في أن الفرد تجده مستقلا في أحكامه, فلا يكترث بأقوال الآخرين السلبية, وتجده قوي الشخصية مستقلا, مع ملاحظة أن هناك خيطا رفيعا جدا بين هذه الصفة وبين الغرور ومعها الأنانية. وهذا ما يمكن تسميته في البرامج العقلية بالمرجعية الذاتيةSelf-Referencing ويتميز هذا الموقع بأنه ضيق الأفق, مشحون بالمشاعر, لأنه يرى ويسمع ويشعر بالحدث متصلا وعن قرب. بل ويجرح مشاعر الآخرين دون اهتمام بهم.

(2) الموقع الثاني: الآخر 2nd Position
وهو الطرف الآخر في القضية, أو المعضلة, أو الخصم, وهنا تكون النظرة إلى الحدث من موقع الآخر, كأنه في حالة اتصال يرى الحدث أمامه, من موقع الآخر, بل ويشاهد نفسه من موقع المشاهدين في المسرح هناك, كأنه ينظر إلى ذاته من خلال عين الآخر, حيث يتم تقديم مصلحته ورؤيته, انحيازا كاملا للرؤية الشخصية Subjective, من منظور الآخر. وهذا ما يعبر عنه في الحديث من أن تضع نفسك في موضع الآخر. لذلك تنظر هنا إلى الحدث أو المشكلة أو الموضوع من وجهة نظر الآخر, وكيف سوف يؤثر على هذا الآخر. وهنا تخيل نفسك كأنك تدخل في جسد الآخر. بل كآنك ترى نفسك من خلال منظور الآخر. وهذا ما يمكن تسميته في البرامج العقلية بالمرجعية للآخرينOther-Referencing .

وتجد أن البعض من البشر يعيش حياته كلها من خلال هذا الموقع. لذلك تراه دوما لا يكترث بوجهة نظره الخاص, ولا بمشاعره هو ذاتيا, بل المهم عنده هو وجهة نظر الآخرين وقول الناس ومشاعرهم. هنا تجد الاجتماعي الصِرف. ولكن كذلك قد يفيد هذا الموقع إيجابيا في أن الفرد تجده مشاركا للآخرين في أحكامه, فلا يحصر نفسه في رأيه الخاص ويهتم كثيرا بمشاعر الآخرين, وتجده اجتماعيا يسهر على قضاء حوائج الآخرين ولو على حساب مصلحته الذاتية, وتعبه, وسهره, وراحته, لكي يرتاح الآخرون. وهنا نجد الاجتماعيين, وسُعاة الخير, وخدام المجتمع, والنشيطين في المؤسسات الخدمية الإغاثية الخيرية.

لذلك يعين هذا الموقع على تفهم مشاعر ومواقف الآخرين وتقدير تصرفاتهم التي قد لا نتقبل ولا نستسيغ, إذا نظرنا إلى المعلومة من الموقع الأول, ولكن سوف يتم "التفهم" في حالة الانتقال إلى الموقع الثاني.

وهذا الموقع رغم إيجابيته, ولكنه إذا زاد عن حدوده, فقد يصل بصاحبه إلى مشاكل أسرية, وأمراض جسدية, مثل ضغط الدم وتلف الأعصاب, حيث يسعى صاحب وجهة النظر هذه إلى إرضاء الآخرين, مهما كان الثمن من وقته وأعصابه وراحته الشخصية ومصلحته الفردية ومتعته الخاصة من علاقات أسرية وحقوق منزلية. مثل الخيل التي تموت دون أن تستريح إرضاء لمالكها.

ويكون تركيزك في هذا الموقع, وأنت تنظر إلى الحدث على محور محدد : ما هو الأثر على شخصه وحياته? وفي الوقت نفسه تسأل نفسك كيف أبدو له? ما هو منظري من الخارج?

ويتميز هذا الموقع بأنه متأثر برؤية الآخر, ومشحون بمشاعره, لأنه متصل بالحدث ويراه ويسمعه من وجهة نظر الآخر. لذلك هي فرصة لنسيان الحقوق الذاتية وتغافلها والتركيز على رؤية الأخر.

(3) الموقع الثالث: المراقب 3rd Position
وهو شخص أو طرف أو كائن ثالث, وهذا الموقع قد يكون أهم موقع لأنه يُخرجك من الحدث كلية ويصبح كأنه متأمل مستقل موضوعي حيادي Objective & Uninvoloved لا مصلحة له في الحدث. وكذلك يعطي للذات والآخر صورة شمولية أكبر, لأنه يتجرد من مشاعر كل من الذات والآخر. وهذا قد يكون في موقع بعيد عن المسرح والمشاهدين, كأنه في غرفة العرض, يشاهد الجميع لأنه بعيد عن الجميع وليس له علاقة بالحدث, لا من قريب ولا من بعيد.

لذلك تستطيع أن تنظر إلى الحدث بحيث ترى نفسك والآخر تقفان وتتحدثان ويعرض كل منهما وجهة نظره. وتقف أنت هنا من الموقع الثالث حكما "حياديا" منفصلا عن جسدك ومشاعرك, كأنك مخلوق آخر, أكثر من كونك بشرا.
ويكون تركيزك في هذا الموقع, وأنت تنظر إلى الحدث على محور محدد : كيف ينظر هذا الشخص الذي لا علاقة بالموضوع إلى هذا الحدث?

ويتميز هذا الموقع بأنه مُنطلِق من موقع إشرافي, كمراقب ينظر إلى الحدث من مسافة آمنة لا تؤثر في المشاعر, بل يرى ويسمع فقط, لأنه منفصل عن الحدث. لأنه لا علاقة له بالحدث أصلا, لا من قريب ولا من بعيد. ويتميز بأنه لا يقرر سريعا, بل يتأمل كلا الموقعين. ويرى جميع تفاصيل كلا الموقعين, لذلك يكون قراره منطلقا من رؤية شمولية.

وتجد أن البعض من البشر يعيش حياته كلها من خلال هذا الموقع. لذلك تراه دوما لا يكترث بوجهة نظر أي أحد, ولا يكترث بمشاعر كائن من كان. هذا النوع لا يهتم بوجهة نظر الآخرين, وقول الناس ومشاعرهم. هنا تجد القادة, والمفكرين, والأحكام القضائية الصِرفة. وهنا قد نجد الفرد الذي لا أصدقاء له, لأنه دوما يقول الحق مهما كان مُرا, دون أن يكترث بمشاعر الآخرين, أو مشاعره هو شخصيا أو مصلحته الذاتية.

لذلك قد يفيد هذا الموقع إيجابيا في أن الفرد تجده حياديا في أحكامه, فلا يحصر نفسه في رأيه الخاص, ولا يهتم كثيرا بمشاعر الآخرين, ولكنه يبحث عن (المصلحة العامة), ولو على حساب فرد أو جماعة, المهم عنده المصالح المشتركة لأكبر شريحة ممكنة من المنظومة التي يشرف عليها, فلا يرى التفاصيل والمصالح للذات, وللأفراد, أو المجموعات, بل للمجموع الأكبر. وهنا نجد المفكرين والفلاسفة والمصلحين والقضاة وقادة الأمم, كأنهم بدون مصالح ذاتية. وتجدهم يضغطون على أنفسهم, ويتغلبون على مشاعرهم, ويصدرون أحكامهم ولو على حساب مشاعرهم, ومصالحهم الفردية, وإغضاب الآخرين.

وتستطيع أن تنشئ في نفسك هذه الموهبة بالتدريب. مثال ذلك أن تجد العديد من الرؤساء يضعون أمامهم مجسم الكرة الأرضية. الهدف هنا محاولة الوصول إلى رؤية شمولية للأحداث. لذلك إذا أردت أن تفكر هكذا اصعد على مكان عال, أو ضع أمامك صورة للعالم أو أي منظر شمولي كبير. ومن عادة الشعب الياباني أن يتأمل ويفكر وهو في الحديقة الصخرية التي ترمز إلى الجزر اليابانية كلها وسط المحيط, كأنه موقع كوني فوق وطنه ينظر إليه كله من موقع عال, نظرة شمولية للأحداث, وبالذات أثناء الاسترخاء.

ومن الملاحظ هنا أن التفكير - الثلاثي الأبعاد - إذا قمت به, فلن تندم على قرار إاخذته فيه, لأنك شاركت أكثر من موقع خلال التفكير فيه, ونظرت إليه من أكثر من زاوية. وبهذه الروية الشمولية سوف تحصل على خيارات وأفكار عديدة, وأقل ما في الأمر أن تحصل على نفسية متحررة من المشاعر والتشنج الشخصي. وبعد ذلك تنطلق في تفكير حيادي موضوعي. فما خاب من استشار, ولا ندم من استخار, والذكي هو الذي يستفيد من ذكاء الآخرين. وهذه المواقع تقنية لتحقيق الحكمة والرؤية الشمولية.

لذلك ومن أجل تطوير الذات, تدرب أن تعيش يوما كاملا تقابل فيه الآخرين وأنت تعيش في موقع الآخر. ذلك يعني أن تعيش في كل لقاء وأنت تعيش تصورا تحقق فيه مصلحة الآخر, وتنسى فيه نفسك ومصلحتك. هل تستطيع أن تعيش هذا التصور? لماذا لا تستطيع? لأنك غير مرن, ولأنك ضعيف أمام خلفيتك وتاريخك الشخصي الذي أصبح يمتلك هويتك وقدراتك. هل أنت هو أنت, أم أنك تاريخك الشخصي والظروف التي شكلتك وبرمجتك? ألا تريد أن تبرمج نفسك كما تشاء? كذلك تدرب أن تعيش من موقع المراقب. موقعا لا تحقق فيه مصلحة ذاتك أو أي فرد آخر من حولك, بل مصلحة المجموعة. وهنا تكون لديك الرؤية الشمولية للأحداث. كأنك تقف على جبل وتشرف على الأودية الصغيرة من حولك. فتصبح الدنيا عندك لا تساوي جناح بعوضة.

وهذه التقنية لا تنحصر فائدتها, فقط, في فهم وجهات نظر الآخرين, بل وحتى وجهات النظر المختلفة في الذات الواحدة, في حالة علاقة الفرد مع ذاته في الاتصال الذاتي, حيث تنقسم النفس الواحدة - أحيانا - بين المواقع الثلاثة في معلومة أو حدث واحد. وهذا ما يمسى بالصراع النفسي. في هذه الحالة نرى الشخص نفسه متنازع الرغبات بين مصلحة الذات ومصلحة الآخر ومصلحة النظام في الوقت الواحد, فتجد الفرد نفسه في حيرة وصراع داخلي, ولا يصل إلى قرار نهائي ينشرح له صدره. بل تجده يقوم بتصرفات هو نفسه يغضب عليها, وتجد لغته الجسديه, وبالذات حركات الأيدي المتناقضة- لا تتوافق مع لغته اللفظية, بل ولا مع لغته النظامية. (هنا تجد هذا الفرد كأنه عدة أفراد في وقت واحد).

ومن الجميل في الأمر أن هذا التمرين يمكن القيام به في حالة الرغبة في الصلح أو النقاش مع شخص آخر, ولكن كيف بالأمر إذا كان هذا الآخر غير معروف? تستطيع في هذه الحالة أن تتخيل الفرد الآخر في أسوأ تكوين, وتتخيل الأسوأ. كذلك تستطيع أن تتخيل الأمر طبيعيا دون أي مؤثرات سلبية.

وسوف تكون هناك - مستقبلا - تقنية مستقلة تفصيلية بهذا الخصوص. وهناك سوف نجد طرقا متنوعة لوضع الفرد في حالات متنوعة الأطر, وذلك للوصول إلى حلول إبداعية سببها استثمار الجانب الأيمن من الدماغ, والذي هو المسئول عن الخيال للوصول إلى حلول لا يمكن أن نصل إليها من خلال التفكير بالجانب الأيسر والعقل الواعي وحده.

وكما قيل سابقا, ليس الهدف هو ضياع الحقوق, بل هو المرونة. بل إن الهدف الأعمق من هذه التقنية هو تجميع كافة الأجزاء الشخصية, والقدرات الداخلية العميقة, نحو هدف محدد دقيق. هذه التقنية هي أشبه بالاستفتاء للقلب لتنطلق كافة أجزاء الكيان الإنساني نحو المعلومة التي هي على بساط البحث. كأنك تستخرج مكامن قدراتك المتنوعة والتي قد تكون متصارعة بدون وعي منك. فهنا كأنك تكشف وتخرج لنفسك وعقلك الواعي جميع أوراقك.
والتمرين يكون كالتالي:

(1) حدد المواقع الثلاثة, سواء ثلاثة كراسي, أو مقاعد, أو فقط ثلاث دوائر مرسومة على الأرض, أو على الأقل ثلاث أوراق بيضاء موضوعة على الأرض. كل ذلك هو مجرد محاولة تحديد وتجسيد لشيء معنوي في حالة مادية, كمحاولة لمساعدة اللا شعور في التواصل مع الأفكار والمواضيع المقترحة الجديدة. كذلك في هذه المرحلة, حدد المشكلة والهدف.

(2) في موقع النفس أو الذات فكر في الموضوع, حدد الأنماط الثلاثة في الحدث. بعد ذلك تعرف على وجهة نظرك إلى الحدث : ما هو تصورك? ما هو رأيك الشخصي? وهكذا, لا بأس هنا من الكتابة والتدوين للملاحظات,

(3) انتقل إلى موقع الآخر, وبداية قلده في هيئته, سواء الجلوس, أو الشكل, أو التعابير. تقمص شخصية الآخر. تقمص الأنماط الثلاثة في الحدث من وجهة نظر الآخر. وبعد ذلك تعرَّف على رأيه, ما هي وجهة نظره? ما هو تصوره? ما هو رأيه الشخصي? وهكذا. كيف يكون تصوري وتصرفي من وجهة نظره? بل كيف يبدو شكلي من جهته? انظر إلى المعلومة أو الحدث - من موقع الآخر, كأنك ترى الحدث من وجهة نظر الآخر. صدقني, سوف ترى عناصر جديدة عديدة. وسوف تخطر في ذهنك أفكار لم تخطر في ذهنك سابقا, لا بأس هنا من الكتابة للملاحظات,

(4) انتقل إلى موقع المراقب, بداية, حدد نموذجا أوشخصا تعرف أنه مناسب لهذا الموقع. قد يكون شيخ قبلية, أو عالما مشهورا بالحيادية والمصداقية. تقمص شخصيته. تمثَّ¯ل بوضعه الجسدي. حدد الأنماط الثلاثة في الحدث من وجهة نظر المراقب. ثم تعرف على رأيه, ما هي وجهة نظره? ما هو تصوره? ما هو رأيه الشخصي? وهكذا. هنا سوف تصل إلى أفكار وخواطر أشبه بالإبداعية. اكتب هذه الملاحظات الشمولية العامة والحيادية,

هنا سوف تجد نفسك قد حصلت على رؤية شمولية من ثلاثة أضلاع 3-D مما يعطيك معلومات أكثر مما لونظرت إلى المعلومة من زوايتك المحدودة, وتصل إلى صورة ورؤية شمولية أكبر وأعم, مما يُعينك على أن تصل لقرار أكثر واقعية, وحكمة, ومصداقية, وقرارات, وخيارت عديدة منطلقة من رؤية ثلاثية. في حين أنه لو فكرت في الموضوع من وجهة نظرك الواحدة, كانت الخيارات والحلول محدودة, وقاصرة, وناقصة. والمهم هو تأثر سلوكك بكل ذلك, فماذا تتخيل الفرق?
وتستطيع أن تستفيد من هذه التقنية في التعرف على نقاط الإقناع للآخر, وفي حل المشكلات مما قد لا يخطر في ذهنك. كذلك تستطيع أن تستفيد من هذه التقنية في إزالة المعتقد الشخصي المعوق, وفي حل المشكلات الإدارية, وفي إتخاذ القرار. وسوف يتم مستقبلا في تقنيات متقدمة إضافة مواقع أخرى تضيف أبعادا أكبر للمعلومة وفي التفكير والتحليل, بل وفي ردود الأفعال من تصورات وتصرفات.

ويمكن أن تصل إلى تطبيقات عملية في هذه التقنية دون الحاجة إلى تطبيق حرفي للخطوات السابق ذكرها. لذلك يمكن من خلال الحوار الطبيعي تطبيق هذه التقنية. وما أجمل أن نختتم الكتاب بهذه التقنية والتي تعين على من يعادي ويحارب البرمجة اللغوية العصبية أن يجرب هذه التقنية. ونحن نجربها. لذلك ننظر إلى الآخر نظرة إيجابية. وختاما, تأمل معي تطبيق هذه التقنية على البرمجة اللغوية العصبية, كيف يمكن تطبيقها على المستوى الوطني والقومي, وخماسيا? فالنحاول أن نطبق هذه التقنية ونحن نسعى إلى هذه الحصيلة.

ليست هناك تعليقات: