الأحد، يوليو 06، 2008

هابيل + قابيل = هاقيل

إن للكلمة, كما أن للإنسان تاريخ وأصل. لذلك وأنت تنطق بالكلمة, ثق أنك تتعامل مع كان "حي". وقد يكون أصل بعض - الكلمات البدائية – مجرد الصوت, فيكون الكلمة مشتقة من صوت الحركة, كأن تقول (طَخْ, بُمْ) فهذه كلمات "بدائية" متخلفة لأنها مجرد اشتقاق من صوت. ولكن بعض الكلمات تمتاز بأنها "متطورة" من فعل وتطور للإنسان, كان نسمي المرآة الكبيرة السن عجوزا, لأن عجزها يصبح أكبر حجما لتقدُم السن. وكذلك نسمي الرجل الكبير في السن شيخا, لأنه يكثر بوله, عذرا.
المهم في الأمر أن مترادفات (أهبل, هبالة, الأهبل) تطلق على الشخص الغبي الذي لا يدرك ما هو خير له, ولا يعرف أين مصلحته, فتضيع عليه الفُرَص الثمينة. وإذا فكرت في الكلمة, تجدها كأنها قد تم اشتقاقها من أول ولد في الأرض : هابيل, الذي لم "يدافع" عن نفسه وترك غيره "ينتصر" عليه بدون بذل أي جهد في "المقاومة". وبالطبع، فقد كان تصرف هابيل هو التصرف الحكم الشرعي المطلوب في ذلك الزمن.
وهناك – في ذلك الزمن - حصلت "المواجهة" بين تصورين, امتد بينهم الصراع إلى أن يشاء الله: (1) تصور الأرض "العاجل" الذي يحمله قابيل, (2) تصور الآخرة "الآجل" الذي يحمله هابيل, كأن يسألك البائع cash or credit. إن صاحب التصور "العاجل" يستغرب من تصرفات صاحب التصور "الآجل", حيث يصدر من جماعة هابيل تصرف "لا نتيجة" له في الواقع العملي في هذه الحياة الدنيا, بل قد يكون تصرف أهل الثمن "الآجل" ليس في مصلحة صاحبه, من المنظور الأرضي العاجل، كأن تصنع سفينة في أرض لا بحر فيها.
لذلك، بسط (قابيل) يده إلى هابيل ليقتله, منطلقا في تصرفه من تصوره "العاجل" غضبا دفعته "قيمة" الخلود و"هوية" التراب, حيث لم يستطع – بسبب منظوره "العاجل" – أن يرى غيره يفوز ويحضا بما لم يفز هو به. في حين كانت ردة فعل (هابيل) أن تصرف من تصوره "الآجل", حلما دفعته "قيمة" الملائكية و"هوية" الروح, "فيؤثِِر" النتيجة البعيدة الطويلة الأمد, بل والأبدية على طعم "عاجل" دفاعا عن النفس، تصرفا شرعيا مطلوبا في ذلك الزمن.
ومن أجل نفس المنظور و"الطَعْم" تجد (جماعة هابيل) يغفرون ويسامحون لأن "طعم" ومذاق الغفران الذي يقترن باللذة الأبدية في متع الجنة، هو "ألذ" مذاقا من الانتقام في عاجل هذا الأرض الفانية, فهل يؤثر اللذة "الآجلة", أو يختار اللذة "العاجلة"؟ أين هي الهبالة والغباء؟
وهنا يحصل ما لا يتصوره ولا يتقبله ولا يتخيله عقل "ملأه" طين الأرض "فتثاقل" إلى جواذبها. كيف تتصور أن شخصا لا يدافع عن نفسه وهو يرى يدا تمتد إليه لتبتطش به وتجعله يخسر "أغلى" ما يملك : حياته؟ إن أقوى دوافع النفس هي قوتان:

1. حب "البقاء" للنفس منطلقا من "قيمة" الخلود و"هوية" التراب. هذا الدافع هو الذي يحرك (جماعة قابيل) في قدراتهم وسلوكياتهم فيصنعون بيئة قابيل التي تُقصي الآخر. ومن هنا جاءت الحضارة الغربية والديانة اليهودية.
2. حب "الصفاء" للنفس منطلقا من "قيمة" الملائكية و"هوية" الروح. هذا الدافع هو الذي يحرك (جماعة هابيل) في قدراتهم وسلوكياتهم فيصنعون بيئة هابيل التي تُبقي الآخر. ومن هنا جاءت الحضارة الشرقية والديانة المسيحية.
إذاً، الصراع كان بين "تصورين": تصور ينطلق من قيمة الملائكية وهوية الروح فتضيع منه الدنيا. وتصور ينطلق من قيمة الخلود وهوية التراب فتضيع منه الآخرة. وهنا يجيء الإسلام دينا وسطا يجمع بين الفطرتين في الصراط المستقيم، حتى لا نكون من المغضوب عليهم ولا من الضالين.
ومن هنا يأتي السؤال: هل أنت من جماعة قابيل أو من جماعة هابيل؟ أين موقعك في المعركة؟ أو أنت من الأمة الوسط، التي تعمل لدنياها كأنها تعيش أبدا. وتعمل لأخرتها كأنها تموت غدا.

ليست هناك تعليقات: