الأحد، يوليو 06، 2008

صناعة الصورة الذهنية بين المبدأ وردة الفعل

أن ما يوجهه الوطن الحبيب, من تهمة الإرهاب هو جزء من هجمات شرسة "تقذفها" قنوات الإعلام الفضائية, فترمي بِشَررِ كالقصر, كأنه جُمالاتٌ صُفر, يشير إلى "استراتيجية" خبيثة خطط لها السياسيون, ونفذها الإعلاميون, وذلك كي "تضع" هذا الوطن المسلم في "ركن" (المدافع عن نفسه), عبر العديد من التصرفات السياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية, كردة فعل للدفاع عن النفس. وبذلك "ينشغل" هذا الوطن عما يحقق مصالحه البعيدة والقريبة المدى. بل وبذلك نضطر إلى أن نتحرك فيما "يرضي" الغرب "لندافع" عن أنفسنا (بتصرفات تحقق مصلحتهم).
ولذلك تحركت قنوات الإعلام السعودية, مثل غيرها من خنادق الوطن, في نشاطات متنوعة, مثل الجنادرية, لدحض هذه الافتراءات. وبذلك تم أنفاق الأموال, وبذل الجهود, وتقديم التنازلات, وكل ذلك من منطلق (ردة الفعل والدفاع عن النفس), وليس من منطلق (المبدأ والأهداف والاستراتيجيات الطويلة والقصيرة المدى).
ولا بأس في الدفاع عن النفس. ولكن ليس هذا "مبدأ" للتحرك على المستوى الاستراتيجي, فلا بأس أن يكون الدفاع عن النفس تحركا "مؤقتا", مثل تحرك فيلق في الجيش ليوقف تسلسل جزئي حصل لأحد خنادقه. إن تحرك أي جيش من مُنطلق الدفاع عن النفس من هجمات, الجهات الأصلية والفرعية, سوف ينهك الجنود في تحركات متناقضة لا تحقق مصلحة للوطن بعيد المدى.
ولقد قدم إعلامنا, ولا يزال يقدم, العديد من الجهود المشكورة في هذه الخنادق التي استنزفت المال والجهد, وما قناة الإخبارية عنا ببعيد. ولكن لا يزال السؤال قائما : هل ننطلق في تحركنا الإعلامي, خاصة الخارجي, من منطلق "الدفاع" عن أنفسنا, أو نتحرك في انطلاقنا الإعلامي من تصور "المبدأ" والهدف؟
إن أغلب ما نرصده في وسائل إعلامنا من برامج رائعة ومتفوقة, بل ومتخصصة حرفيا, خاصة منه الموجهة خارجيا, يمكن أن نجعله (مفردات في مادة باسم الدفاع عن النفس). ولكن أين مفردات مادة "المبدأ" والاستراتيجية الوطنية البعيدة المدى؟
ويمكن إعطاء مثال, بسيط, على هذه المفردات المطلوبة. فلنتخيل أن سياسيي الوطن يهدفون إلى اكتساب صداقة مع دولة معينة, وذلك بهدف التأثير عليها في موقف "مستقبلي" ضد دولة أخرى معادية. هنا (يتحرك الإعلامي, بعد تخطيط مع السياسي), إلى إنتاج برامج وثائقية وترفيهية بالتنسيق مع ذلك الوطن المطلوب مصادقته.
كذلك من باب مفردات التحرك الاستراتيجي داخليا أن يجلس الإعلامي مع السياسي- جنبا إلى جنب وليس وجها لوجه- ليبحثان وسائل "ترجمة" الخطط المستقبلية للخمسين, أو على الأقل, للعشر السنوات القادمة للوطن إعلاميا. هل الأجدر للوطن أن نُكثر من التمثيليات التي يكون بطلها مهندسون ومهنيون, أم أنه لا بأس أن يكون دوما البطل هو الطبيب والغني.
هذه المفردات الإعلامية سوف تساهم في "تشكيل" الصورة الذهنية عن رموز الوطن خارجيا. وإذا قام أحدهم برصد الإعلام الخارجي, وشاهد "كثرة" تبجيل الأطباء دون أن يكون هناك "زخم" مماثل للمهنيين, سوف يعرف كيف تفكر كوادر هذا الوطن.
إذا يتوجب إن يكون "تحركنا"من منطلق "مبدأ" صياغة صورة ذهنية عن هذا الوطن, ولا يكون التحرك من مجرد "الدفاع" عن النفس. ولكن لا بأس أن نضيف إلى هذه مفردات الدفاع عن النفس ما يعين على تحقيق مبدأ (هذا هو نحن), وهذا ما نريد منهم أن يفهموا : (من نحن حقيقة), بدلا من أن نتحرك من ردة فعل (نحن لسنا كذلك).
فبدلا من نتحرك دوما من أجل "الدفاع" عن أنفسنا من التُهم التي يوجهها إلينا العديد, فندافع : (نحن لسنا إرهابيين). ثم نُتهم مرة أخرى, فنُدافع : (نحن لا نسعى لاستحواذ أسلحة الدمار الشامل). ثم نُتهم ثالثا, فندافع: (نحن لسنا ...), وهكذا. وهكذا نتحرك بجنودنا شرقا وغربا "لنسد" الخنادق التي حصل فيها تسللا, ونسكت الأفواه. ولكن كان يكفينا, توفيرا للجهد والمال, أن نقول من البداية : (هذا هو نحن), ولكن - حقيقة : (من نحن)؟
ولذلك سعى أخر خمس رؤساء الوزارة, وكان أخرهم معالي الوزير الدكتور (مهاتير محمد) في ماليزيا لثبيت هوية الشعب الماليزي, صورة ذهنية للشعب الماليزي, الذي جمع "تناقضات" الدين والعرق والطبقة والملة في بوتقة معدمة اقتصاديا ليجعل من وطنه في مصاف الدول المتقدمة, بل والتي تقف في وجه أكبر كيان استعماري : البنك الدولي.
وتجد قصة هؤلاء الخمسة في كتاب (خمس رجال & خمس أفكارFive Men & Five Ideas) وكيف سعوا – متتاليين, متعاضدين, يكمل بعضهم ما بدأ الآخر- لصياغة الصورة الذهنية للوطن الماليزي داخليا. (وبذلك تم صياغتها خارجيا, وبكل سهولة, وبكل فخر, وبكل تحدي), فإن الله لا يغير ما بقوم, من صورة ذهنية يرانا بها من هو في الخارج, حتى يغيروا ما بأنفسهم, من صورة ذهنية نرى بها أنفسنا من الداخل. (من نحن؟)
ومن ذلك فإن – الصياغة الإيجابية – هي أول دعائهم البرمجة اللغوية العصبية, على المستوى الوطني. ويقصد بالإيجابية هنا أن تذكر (ما تريد),لا (مالا تريد). أن تذكر (من أنت), وليس (من ليس أنت). أن تذكر هدفك بصياغة إيجاب, وليس نفي : (أنا أريد), أو (أنا هكذا). ولا تقول : (أنا لست كذا), (أنا لا أريد ذلك).
فكلنا فداء لهذا الوطن, ولله الحمد والمنة.

ليست هناك تعليقات: