السبت، يوليو 05، 2008

الإعلام في الحج

رغم ثورة التقنية, التي أعانت على توسيع دائرة بث المعلومة, والتي جعلت الإنسان "يتطور" من اعتماده في التعامل مع المعلومة من وسائل الاتصال الشخصي إلى قنوات الاتصال الجماهيري, ما دفعه أكثر وأكثر أن يعتمد "أكثر" على وسائل الاتصال الحديثة, إلا أن العالم الثالث, ومنه العالم الإسلامي, لا يزال "يسيطر" عليه, أكثر من غيره, وسائل الاتصال التقليدي.
وهنا تنبع الميزة التي يمكن أن يستثمرها العالم الإسلامي في "تعاضد" كل من القنوات الاتصالية الحديثة والتقليدية, كتفا بكتف, صفا واحدا كما يقفون في صلاتهم, للتعامل مع التحديات.
وينحصر "التحدي" في منظومة الحج الكبرى في "تنوع تصورات" الجهات التي تتعامل مع المنظومة, مما يؤدي إلى "تنوع", بل و"تناقض التصرفات" لهذه الجهات في تعاملها مع التحدي. لذلك فمن أجل "توحيد" التصرف, فلابد أولا من "توحيد" التصور, كإطار دلالي, مشترك بين الجهات ذات العلاقة بمنظومة الحج. ومما يزيد من تحدي هذه المنظومة أن الحج يشبه مثلث (برموذا) من حيث : (1) محدودية الزمان, (2) محدودية المكان, (3) محدودية المنظور الفقهي.
وتذكر علوم الإدارة أن هناك ثلاثة عناصر يتوجب الأخذ بها للتعامل مع أتحدي لنضمن تحقيق التغيير : (1) البيان Education, (2) البناء Engineering, (3) البتر Enforcement. والاكتفاء بأحدها أو ببعضها يؤجل, أو يبطل تحقيق النتائج.
أولا : البيان الإعلامي : والتي هي "البداية" لتحقيق أي تطوير, وذلك بهدف تهيئة" وتوعية الجمهور المستقبل للخدمة أو السلعة الجديد ليعرف هويتها وقيمتها, ليتم بذلك ضمان القدرة والسلوك في كيفية التعامل مع هذه الخدمة أو السلعة الجديدة. وهكذا تتحقق البيئة التي نريد من تعامل راقي مع هذه المعلومة الجديدة, سواء كانت خدمة أو سلعة.
ويتم في مرحلة البيان "تحديد" هوية وقيمة هذه المعلومة الجديدة. وبعد ذلك يتم "التنسيق" بين جهات الخدمة, التي تملك هذه الخدمة أو السلعة الجديدة من جهة, وبين قنوات الإعلام الحديثة والتقليدية من جهة أخرى في كيفية توزيع الأدوار لتعريف الجماهير بهوية وقيم المعلومة الجديدة والقدرات والسلوكيات المطلوبة للتعامل مع هذه المعلومة الجديدة.
ثانيا: البناء الإنشائي. وبعد أن تم "تهيئة" الجمهور الذي سوف يستقبل تلك السلعة أو الخدمة الجديدة تستطيع جهات الخدمة أن "تبدأ" في تقديم الجديد. وهنا تقوم الجهة المالكة للمعلومة الجديدة في تقديم مشروعها للجمهور الذي عرف كل من هوية, وقيمة, والقدرة المطلوبة للتعامل مع هذه المعلومة الجديدة.
وفي العديد من القضايا يتم الاكتفاء في التعامل مع التحدي إعلاميا وإرشاديا وتنهي المعضلة دون الحاجة إلى حلول إنشائية. وفي هذه الحالة يتم توفير الملايين التي سوف يتم إنفاقها في المرحلة الإنشائية بواسطة بعض المبالغ يتم إنفاقها في الأسلوب الإرشادي, فدرهم وقاية إرشاديا أفضل من قنطار علاج إنشائيا.

ثالثا : البتر القانوني : وبعد "التهيئة" من قبل قنوات التوعية والإعلام, وبعد بناء وصناعة وتقديم المعلومة الجديدة, سواء منها الخدمة أو السلعة إنشائيا, يتوجب أن تتحرك الجهات القانونية والأمنية (لحماية وفرض) هذا المشروع الجديد. ونتذكر أن (من أمن العقاب, أساء الأدب). وإن (الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن). وهنا يتم بتر الأعضاء الفاسدة التي لا تتلاءم مع الجسد.
وهنا يتم سن وتشريع القوانين التي (تعاقب وتشجع) الجمهور الذي يتعامل مع هذه السلعة أو الخدمة الجديدة. ومن خلال هذه القوانين يتم ضمان استمرار وحماية المشروع الجديد من ضعاف النفوس التي لم تفاعل تتأثر بمرحلة التوعية "ترغيبا", فتوجب أن نتعامل معها "ترهيبا". جنة ونار, ترغيبا وترهيبا, خوفا وطمعا.
ومن أجل أن نتحرك بمصداقية في مرحلة البيان لنوصل المعلومة الجديدة إلى جماهير الحجيج, كجمهور مستهدف, لا بد أن نعرف القناة الاتصالية والإعلامية "الواقعية" التي توصلنا بهذا الجمهور. ولقد أثبتت دراسات معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج عدم تعرض جماهير الحجيج لقنوات الاتصال والإعلام الحديثة.
إذا هناك "فوهة" بين المرسل والمستقبل. لذلك نحتاج أن نبحث عن "جسر" وقناة توصل بيننا, كمرسل, وبين جماهير الحجيج كمستقبل. وتنحصر هذه (الحلقة المفقودة) بيننا وبين الجمهور المستقبل في وجود "مُتـغَّيـر" واحد في قضية الحج لم يتم "السيطرة" عليه, إلى الآن: قادة الرأي. وهنا تنبع الحاجة إلى تطبيق نظرية الاتصال ثنائية المراحل.
إن القناة "الحق" التي تعتمد عليها جماهير الحجيج, كما أثبتت أبحاث معهد خادم الحرمين الشريفين, هي (قادة الرأي), والذين هم "المشايخ" المصاحبين لحملات الحج الداخلية, إضافة إلى "قادة المجموعات" المصاحبين لحملات الحج من الخارج. هذه هي القناة الاتصالية التقليدية الحق التي يتوجب الاعتماد عليها في منظومة الحج "لتوصيل" أي معلومة جديدة. هذا هو المُتَغيَّـر الأكبر في منظومة الحج, والذي لم يتم التعامل معه بما يتناسب مع "حجمه" في التغيير والتأثير تحقيقا لمرحلة البناء المعلوماتي.
وهنا تنبثق الفكرة في حتمية "التعامل" مع قنوات الاتصال التقليدية لتهيئة جماهير الحجيج للتعامل مع هذا تحديات الحج الذي يتوجب أن "تتكاتف" جميع الجهات ذات العلاقة بمنظومة الحج في التعامل معه.
ويمكن تحقيق هذا "التعاضد" عبر الخطوات التالية:

(1) تحديد المفردات.
وهذا يتم من خلال البحوث والدراسات الميدانية "لتحديد المتغيرات" التي تكتنف الحدث. ومثال ذلك أن نعرف أن الخلاف الفقهي لوقت الرجم هو من أكبر العناصر التي تكتنف تحدي كوبري الجمرات. كذلك أن نعرف أن نسبة كبيرة من الحجاج يؤدون الفريضة فُرادي دون التزام بمطوف, أو على الأقل عدم الالتزام بمسكن المطوف لبعد مسافة السكن وكبر سن الحاج, أو رغبته في المكسب الاقتصادي استثمارا للحشد الغفير حول الجمرات للتكسب بيعا وشراء أو التسول.
ومعهد خادم الحرمين الشريفين يملك هذه الدراسات الميدانية التي تعين على "تحديد" هذه المفردات. هذه الدراسات يمكن جمعها مع مجموعة الأبحاث المرتبطة بتحدي كوبري الجمرات, الذي له علاقة بالعديد من العناصر, كالافتراش, والباعة المتجولون, وتوزيع أماكن السكن, والحجاج الفرادى, وغيرها من العناصر.

(2) توضيح الصورة "الكاملة" الجهات ذات العلاقة.
وهنا يتم في اجتماعات شاملة لعرض السلبيات والمفردات والمتغيرات السابقة على كافة الجهات ذات العلاقة بمنظومة الحج, وبالتحديد تحدي بكوبري الجمرات. وفي هذا الاجتماع يتم صناعة الصورة الذهنية المطلوبة "لتوحيد" التصور والإطار الدلالي بين قادة الرأي.
وتجتمع هنا مؤسسات الطوافة لحجاج الداخل والخارج دون استثناء, مع جهات التوعية والإرشاد الحكومية والأهلية, مع قادة الرأي الرسميين والشعبيين, مع الجهات الخدمية, كالصحية والأمنية. "ويتوجب" أن يتم هنا حضور قادة المجموعات القادمين مع الحجاج من أوطانهم. ويمكن تنفيذ هذا اللقاء في أوطان الحجيج, كتوعية سابقة لقدوم الحجاج بحيث نقوم بتوعية قادة الحجاج, وليس الحجاج أنفسهم, عملا بنظرية الاتصال ثنائية المراحل.
وفي هذا اللقاء يتم "العرض" المصور والرقمي والإحصائي للحظات "الحرجة" في الحج عامة, وفي كوبري الجمرات بصفة خاصة لبيان خطورة الاختناق البشري, والوفيات السنوية, بل والمحظور الشرعي, والخطر الصحي والأمني الذي يقع فيه الحاج في الدقائق التي تشبه عنق الزجاجة. الهدف هنا أن نجعل الجهات ذات العلاقة بمنظومة الحج عامة, وكوبري الجمرات بصفة خاصة, أن تحيط علما (بالصورة الكاملة للحدث). إن العديد من الجهات ترى الحدث من منظورها الخاص الصغير المحدود. ولكن بعد الرؤية "الشمولية" للواقع, قد يتغير الموقف والقرار, بل والفتوى, فالحكم على الشيء فرع من تصوره.

3. التنسيق بين الجهات ذات العلاقة.
وفي هذه المرحلة الثالثة يتم "التنسيق" وتوزيع الأدوار, كل في تخصصه, وكل على ثغر من ثغور التحدي. والمهم هنا "التعاضد" بالذات بين القنوات الإعلامية الحديثة منها والتقليدية. هنا يتوجب أن يتم الحوار والنقاش ليعرف ماذا يستطيع كل ثغر أن "يساهم" في التخفيف من هذه المعاناة والأزمة السنوية, وكيف تستطيع كل قناة إعلامية, سواء حديثة أم تقليدية, أن تساهم في التعامل مع التحديات المحتملة في الحج بصفة عامة, وعلى كوبري الجمرات بصفة خاصة.



3- أ. الإعلام التقليدي
ماذا تستطيع قنوات الإعلام التقليدية, لكل من إمام المسجد, وخطيب الجمعة, والمفتي, وقائد الرأي, وقائد المجموعة القادم مع الحجاج من أوطانهم أن "يساهم" في التعامل الحضاري مع منظومة الحج الكبرى, ومع تحدي كوبري الجمرات بالذات؟ وهنا كذلك يتحتم بيان دور المطوف, كقائد مجموعة, في التفاعل مع معضلة كوبري الجمرات. وهذا يعني أن يشارك المطوف في التعامل مع هذا التحدي. يستطيع المطوف, مشاركة في تنظيم الحشود, مثلا, أن "ينتظم" بعملية التفويج لحجاجه في أوقات محددة, بدلا من التخلص منهم لتفكيك الخيام والارتحال المبكر إلى مكة.
ويمكن بتحديد دقيق أن يساهم كل من أصحاب السماحة المشايخ, المصاحبين لحملات الحج, إضافة إلى قادة المجموعات, المصاحبين للحجاج القادمين من خارج المملكة في مخيماتهم "التوسعة" في الفتوى, و"النصح" للحجاج إلى ما يتناسب مع الحرج الزمني في حتمية الرمي بعد الزوال, والتحرك في مجموعات كبيرة, إلى غير ذلك مما يقدر عليه موجهه المجموعة من "التأثير" على الأفراد الذين يثقوا فيه.
إن أصحاب السماحة من المفتيين والمشايخ المصاحبين لحملات الحج الداخلية, إضافة إلى قادة المجموعات من أوطان الحجاج هم (الوسيط الحق) والوسيلة المثلي في "السيطرة" على منظومة الحج, هذه هي القناة الجماهيرية. هاتين القناتين هما القناة التقليدية "الحق" التي تتواصل عبرها الجماهير, ومن خلالها تتلقى المعلومة, والتي على أساسها يتم "اتخاذ" القرار.
بل ماذا تستطيع أيضا قنوات الإعلام الحديثة أن تبث من المعلومات التي قد تساهم في تطوير "التصورات" التي يعين على تطوير "التصرفات" السلبيات السالفة الذكر؟ لذلك تستطيع قنوات الإعلام الحديثة من خلال مطبوعات والجرائد والمجلات, ومن خلال الإذاعة وقنوات التلفاز السعودي, بل والقنوات غير السعودية, أن تبث المفردات التي سبق ذكرها في الفقرة السابقة, والخاصة بتوسعة الأفق, وذلك ليصل هذا التصور إلى كافة الشرائح الجماهيرية التي ستفد إلى موسم الحج - مع بعض الحذر والخشية من إيراد الصور التي قد تضر بسمعة الوطن. وهنا يتوجب التنسيق مع كافة ألوان "الطيف" الإعلامية, بحيث يتم التوجيه بين الجهات الأمنية وهذه القنوات الإعلامية لتصل المعلومة إلى "أكبر" شريحة ممكنة من الجماهير.
ومن خلال هذا "التعاضد" بين جميع الجهات ذات العلاقة بمنظومة كوبري الجمرات, وخاصة قنوات الاتصال التقليدية, يتم بقدر المستطاع "التحكم" في المتغيرات التي تكتنف هذا التحدي السنوي. ويتم تحقيق هذا الهدف بعد تحديد المتغيرات, وقيام كل جهة بدورها, فكل على ثغر من ثغور الإسلام, فالله الله أن يؤتى الإسلام من أحدنا. وبذلك لا نجعل في الصف ثغرة ينفذ منها الشيطان.
ويمكن تلخيص ما يمكن القيام به إعلاميا من خلال تكليف المعهد بنتاج مادة تعليمية تشمل المادة المصورة والمقروءة لوضعها في حقيبة إعلامية تعين على (صناعة التصور الكامل كإطار دلالي موحد) لحقيقة الواقع في منظومة الحج.
وبعد ذلك يمكن أن تقوم وزارة الحج بالتعاون مع كل من وزارتي الثقافة والإعلام & وزارة الشؤون الإسلامية بعقد لقاء يجمع كافة الجهات ذات العلاقة بمنظومة الحج, وذلك لطرح الحقيبة الإعلامية, السالفة الذكر. الهدف هنا هو التأثير على قرار هذه الجهات من خلال إعطائها التصور الشمولي, الذي سوف يؤثر على صياغة القرار. وبذلك نصوغ التصور والخارطة الذهنية التي تصنع ردة الفعل والتصرف المطلوب.

د. أسامة صالح حريري
المستشار الإعلامي بمؤسسة طاش الإعلامية
عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام
رئيس قسم الإعلام سابقا
رئيس قسم البحوث والشئون الإعلامية بمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج

ليست هناك تعليقات: