بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل,
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
أشكر لشخصكم الكريم جميل تواصلكم في هذا الموضوع الحساس, مراجعة للحاضر وتخطيطا للمستقبل, فمن لا يراجع خطواته في ماضيه, فلن يضمن ثبات تَحركه في الحاضر, فكيف بالمستقبل؟
وبخصوص محاور الحوار, فسوف تكون كما تم ترتيبها في رسالتكم, كالتالي :
(1) هل هناك ما يمكننا أن نطلق عليه مصطلح (( قنوات فضائية إسلامية )) ؟؟ وهل لهذه القنوات دور في نشر الوعي بالإسلام والدفاع عنه وعن قضاياه ؟؟
إن مسمى (قنوات فضائية إسلامية) مصطلح يصف واقعا, ناهيك عن سلبياته وإيجابياته, وناهيك عن مدى قرب وبعد من يحمل هذا المصطلح عن "حقيقة" هذا المصطلح واقعيا. ومثله تماما ما نسميه بالعالم الإسلامي. بل كذلك نحن أنفسنا كمسلمين.
لذلك يمكن إدخال جميع القنوات في العالم الإسلامي لتسميتها (قنوات إعلام إسلامية), مادام أصحابها يقولون (لا إله إلا الله). أما إذا أردنا أن نحدد هذا المصطلح بدقة على القنوات التي "تلتزم" حرفيا بتشريعات الإسلام, فذلك سوف يتنوع كذلك, فأي تطبيق نراه أكثر واقعية وترجمة للإسلام؟ ما يراه أحدنا واجبا, هو في مذهب آخر سنة مؤكدة, فكل يدعي وصلا بليلى, ولكن لا محاجاة في المسميات والمصطلحات, المهم الواقع العملي, وما ينتج عن هذا التحرك العملي في واقع الجماهير.
وتبذل هذه القنوات, على مستوى العالم الإسلامي, كما يقدم كل مسلم مع بعض التقصير وبعض التفاني, العديد من الأدوار في نشر الوعي بالإسلام والدفاع عن قضاياه. فليس عدلا أن نبخس الناس أشيائهم. وصحيح أن قنوات الإعلام الفضائية بالذات, مثلها مثل أي مسئول في الدولة يختلف أثر تصرفه عن شخص عادي في الدولة, لا بد أن تكون على مستوى المسئولية للواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي من ألم وأمل.
لذلك يمكن محاسبة القنوات الفضائية الإسلامية, دون تحديد لمدى قربها وبعدها عن الإسلام تطبيقا حرفيا مذهبيا, على أساس واقع العالم الإسلامي اليوم. هل "تعيش" هذه القنوات واقع العالم الإسلامي من طموح ومعاناة وأهداف وسلبيات, أم أنها تمارس (التَرْفيِع)؟
لذلك تجد نفسك وأنت تشاهد العديد من القنوات الفضائية كأنك (بٍتْرَفِع), وذلك يعني أن تعيش "نشوة" المخدرات لتضع نفسك في عالم آخر "يتناقض" مع واقعك المرير, الذي لا تقدر على مواجهته وتغييره, فتهرب إلى عالم المخدرات ولا تقدم شيئا "يتعامل" مع قضايا الأمة. بل أن بعض هذه القنوات يساهم في (زيادة الطِين بِلةً).
أما إذا أردنا أن "نحجر" واسعا فنحصر مفهوم القنوات الفضائية الإسلامية على القنوات التي "تلتزم" بتشريعات الإسلام حرفيا, فهنا حساب "عسير", كمن يسمي نفسه محمد, ولكن "يمارس" الخطأ جهرا نهارا, فكيف بمحمد هذا إذا كان إمام مسجد, أو مفتي؟
وقبل أن نُحاسب القنوات الفضائية الإسلامية, فلنكن واقعيين, فسيدنا عمر لم يعاقب السارق في عام المجاعة. إن "سعة" الخرق تجعل الحليم حيران, (فأتسع الخَرْقُ على الراقعِ). إن واقع العالم الإسلامي يحوي "الكثير" من السلبيات التي إذا أردت أن تحاسب على أساسها القنوات الفضائية الإسلامية فسوف تجدها "مُقصرة" بكل مقاييس الرحمة.
ولكن جميع هذه القنوات الفضائية الإسلامية تُقدم "ما تقدر" عليه ضمن منظورها للإسلام, وضمن الإمكانيات البشرية والمالية, بل الوقت المتاح في القناة الواحدة, كما يقول المثل الشعبي المكي (الزُقاق ضيق والحُمَار رَفَّاس) تخيل كيف يستطيع جمهور غفير أن يمر في زقاق ضيق فيه حمار متوحش- أعزكم الله - يرفس بمنة ويسرة؟
إن "حجم" السلبيات والطموحات التي يعيشها العالم الإسلامي هي أشبه بجمهور محتشد غفير أمامه شارع ضيق يريد أن يمر منه, هي قنوات "محدودة" زمانا ومكانا وإمكانيات. كم تتخيل من هذا الجمهور الغفير يستطيع أن يجد الفرصة ليمر من هذا الشارع الضيق؟ لذلك فالقنوات الفضائية الإسلامية مشكورة, بل ونقبل يديها ورأسها, لأنها "تقف" في وجه العاصفة ولم تلجأ إلى "التَرْفيع". ولك أن تتخيل من هو ذلك الحمار الرفاس- أعزكم الله؟ هل هو التكلفة الباهظة للعمل الفضائي؟ هل هو العقبات القانونية التي تضعها بعض المنظمات؟ هل هو ضغوط خفية؟ هل هو شياطين الإنس والجن؟
(2) هل نحن بحاجة إلى إعلام إسلامي فضائي ؟
إن "الواقع" الذي يعيشه العالم الإسلامي من سلبيات وإيجابيات يتطلب "النفير" لكل قادر على حمل سلاح الإعلام, خاصة الفضائي منه, لأنه أكبر مضلة و ذو دائرة أكبر, مما يعطيه فرصة أكبر "للتواصل" مع جمهور وشريحة أكبر, وكل ذلك فرصة أكبر للإصلاح والتغيير والتطوير والتنمية, وتحقيق "الطموح" القومي للأمة الإسلامية إسعادا وخدمة للإنسان, فالخلق – مسلم وكافر- عيال الله, وأحبهم إليه "أنفعهم" لعياله, (فلنكن أحب الخلق).
إن الإستنفار يعني أن "تتكاثف" كافة المؤسسات في التعامل مع مشاريع التنمية ومعاناة الأمة, بل والعالم - عولمة عادلة - الذي أصبح بتأثير القنوات الفضائية بحق قرية, بل وعائلة صغيرة, حيث, كما يقال, استطاعت القنوات الفضائية أن تلج إلى أماكن, مثل غرف النوم, لم تستطع أي أداة الدخول إليها.
ومن إحدى معاناة العالم الإسلامي في الوقت المعاصر, بوجه محدد مخصوص, ما نشهده من عنف وإرهاب, والذي أضنه, رغم العديد من الإيجابيات التي قدمتها قنوات الإعلام الإسلامي, مؤشر سلبي, ونقط سوداء في ملف الإعلام الإسلامي, الذي لم "يتنبأ" بالجيوب الخفية التي تتحرك في الدهاليز والأقبية, ولم يساهم في "ترشيد" الصحوة وتوجيهها في خدمة الإنسان, بل في قتله وتهديم أبراجه, ردود أفعال لا تنطلق من مبادي.
لذلك فنحن اليوم, أكثر من غيره, نحتاج إلى القناة الفضائية الإسلامية التي تستطيع أن تخاطب هذه الشريحة, وإلى قناة أخرى تخاطب شريحة أخرى. المقصود هنا أن قناة واحدة لن تخاطب كافة الشرائح, (إذا التعدد ظاهرة إيجابية), فلنخاطب كافة الشرائح فقد بعث الله في كل أمة رسول, ليخاطبهم بلسانهم, فقد أتسع الخرق على الراقع, ونحتاج اليوم إلى العديد من (الرقاعين), وقد تكالبت الأكلةُ على القصعة. إن وئد الحوار وكتم الأفواه يضاعف من فرصة حديث ألذات, والذي هو من أكبر مداخل الشيطان وسوسة وتصعيدا للأحداث. بل إن تعدد وتنوع مشاريع التنمية يعجز عن القيام بها العدد المحدود من ألوان الطيف.
لذلك نحتاج اليوم وغدا إلى قنوات وقنوات أكثر لتسع الطموح والواجب, فنحتاج قناة جادة تعالج الألم وتحقق الأمل, وأخرى تساهم في الرد والدفاع, وأخرى في الهجوم والعرض والدعوة. إن حجم الجماهير يحتم زيادة حجم الزُقاق, ناهيك عن ربط ذلك الحمار الرَفَّـاس.
إن الطموحات التنموية التي يعيشها العالم الإسلامي تستدعي استنفار كافة وسائل الاتصال, الحديثة والتقليدية منها, لتتحرك جميعها سواسية لتنتشر عبر كافة الشرائح الجماهيرية إيصالا لرسائل التنمية. وليس أفضل سعة وحجم دائرة من القنوات الفضائية. المهم هنا التخطيط والتنسيق والتكامل, فنكون جميعا رغم أننا أشتات, فلا بأس من التشتت والتنوع, مثلنا مثل باقة ورد متنوعة الأنواع والألوان.
(3) هل من الممكن أن يكون هناك خطاب إعلامي إسلامي موحد في عالم إسلامي يتناحر مذهبياً ؟؟
وتكلم للسؤال السابق, فإن الظاهرة الإيجابية ”تتحول" إلى سلبية إذا تعامل بها أصحابها بتصور أو بتصرف سلبي. وكذلك بالنسبة "للخلاف" المذهبي والدعوي والحركي الذي هو في حقيقته ظاهرة "إيجابية" تشير إلى "ثراء" العقل والثقافة. فلو شاء الله لجعل الناس كافة مؤمنين, ولكن لجعلهم مختلفون ومتنوعون, ولذلك خلقهم. بل إن جمال الطبيعة في تنوعها وتلونها, وتخيل معي أن ما حولك كله شكل ولون واحد, كيف تكون مشاعرك وحالتك النفسية؟ السأم والملل.
إذا ليس مطلوبا أن يكون هناك إعلام إسلامي موحد. ذلك تضيق لواسع. ليس من المعقول أن "نفرض" تصورا أو تصرفا, بل أنه سبحانه وتعالى لم يفرض علينا دينا, بل هدانا النجدين, وجعل الخيار لمن شاء من أن يستقيم. المطلوب هو العلم بما ما جاء في التوجيهات الربانية لأخلاق الإسلامية في التعامل مع الإنسان, ناهيك عن المسلم, فلا تنابز بالألقاب ولا حكم قضائي على من حولنا, بل دعوة, حتى لمن طغى, أن نقول له قولا لينا, بل ولا يجرمنا شنآن قوم أن نعدل معهم, فذلك أقرب للتقوى. إن التناحر المذهبي ليس سببه المذاهب, بل همُ الأتباع الذين لم "يتخلقوا" بأدب الخلاف.
إذا الدعوة ليست إلى "توحيد" الرأي والمذهب, بل إلى "التخلق" بأدب الخلاف والدعوة, بل والقتال, فلا نقتل طفلا ولا نحرق شجرة, ولا نهدم أماكن العبادة, فلا يجرمنا شنأن قوم, ولا نزر وازرة وزر أخرى, بل نتحرك في خلافنا من منظور أننا جميع – مسلم وكافر - عيالُ الله, فلنكن من أحب الخلق إليه, سبحانه الودود, بأن "ننفع" هؤلاء العيال. نلك هي إحدى جوانب بين الإعلام الإسلامي رسالة للخلق: النفع.
إننا في زمن نحتاج فيه حتى إلى المؤلفة قلوبهم, بل ندفع لهم من الزكاة ليُكَثِروا من الصف المسلم. ليس الوقت الآن هو زمن محاسبة وتوجيه الأصابع نحو بعضنا البعض تفسيقا وتكفيرا. الوقت وقت "تغافر" وتسامح وتوجيه الأصابع والأيدي للبناء, كل قدر استطاعته, بدلا من تبادل الإتهامات, فيستطيع أحدنا أن يتصدق ولو بِشقِ تمرة, بل وأن يلقى أخاه بوجه طلق. ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث لم يقتل المنافقين وهو – صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأسمائهم وحيا من الله.
(4) القنوات الفضائية الإسلامية هل هذا هو الرد الإعلامي الأمثل على عصر العولمة وسقوط الحدود؟؟
بداية, يجب التفريق بين الواقع أو النموذج من جانب, وبين الحقيقة التي يمثلها هذا الواقع ومن المفروض أن تعبر عنه بواقعية ومصداقية من جانب آخر. إن العديد من النماذج لا تعبر عن الحقيقة التي تمثلها وتنتمي إليها, فقد تجد شخصا ينتمي إلى عائلة الشرف والكرم, ولكنه لا يمثل هذه العائلة التي ينتمي إليها, فهل كل سعودي يمثل الشخصية السعودية التي تفتخر بالانتساب إليها. وكذلك أي مسلم منا هل يمثل حقيقة الإسلام, مهما أدعى أحدنا أنه مسلم بقدر استطاعته. هل يستطيع أحدنا أن يقول ملء فمه : أنا النموذج الإسلامي.
وكذلك بالنسبة إلى القنوات التي ترفع راية الإعلام الإسلامي, هل تمثل في طرحها الإسلام بمفهومه الواسع, أم أنها لا تزال امتدادا للطرح الإقليمي الذي "يلون" الإسلام بالمنظور الإقليمي Local Version . لذلك جاء الدعاء القرآني : اللهم لا تجعلنا فتنة للذين كفروا, بل نقولها كذلك إقليما : اللهم لا تجعلنا فتنة للذين أمنوا.
لذلك فإذا كانت بعض القنوات الفضائية لا تزال تطرح الإسلام الإقليمي, فهل هذا حجة على عدم مصداقية عالمية الإسلام؟ بل هي حجة على أصحابها الذين سوف يكونوا فتنة للذين كفروا, وبل للذين أمنوا. إن العولمة الحق هي المنظور الإسلامي الذي يرى "جميع" الخلق عيالا لله كلهم لآدم نسعى لأن "ننفعهم", فمن أحيا نفسا, ولم يقل سبحانه مؤمنا, فكأنما أحيا الناس جمعيا, وفي كل كبد رطب صدقة, ولا ينهانا الله عن أن"نبر ونقسط" مع من لم يحاربنا في ديننا ولم يخرجونا من ديننا, بل وطلب منا – الودود الرحيم - أن نقول قولا لينا لمن طغى, فنحن دعاة, ولسنا قضاة.
ونستطيع أن نستلهم من تعدد الرسل, حيث بعث الله في كل أمة رسولا بلسان قومه فقها واقعيا ومراعاة لظروف الزمان والمكان, أن ندعو القنوات الفضائية الإسلامية أن تتعامل مع الواقع فقها يراعي مقاصد الشريعة, ولنتذكر الفقه الذي تدرج في التشريع إيمانا ثم إسلاما بل وتدرجا في التحريم, بل لم يقطع يد السارق وقت المجاعة, بل وفي توعد الأب بقطع يده إذا ألجأ ابنه للسرقة.
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام ،،،
أخوك
د. أسامة صالح حريري
الأخ الفاضل,
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,
أشكر لشخصكم الكريم جميل تواصلكم في هذا الموضوع الحساس, مراجعة للحاضر وتخطيطا للمستقبل, فمن لا يراجع خطواته في ماضيه, فلن يضمن ثبات تَحركه في الحاضر, فكيف بالمستقبل؟
وبخصوص محاور الحوار, فسوف تكون كما تم ترتيبها في رسالتكم, كالتالي :
(1) هل هناك ما يمكننا أن نطلق عليه مصطلح (( قنوات فضائية إسلامية )) ؟؟ وهل لهذه القنوات دور في نشر الوعي بالإسلام والدفاع عنه وعن قضاياه ؟؟
إن مسمى (قنوات فضائية إسلامية) مصطلح يصف واقعا, ناهيك عن سلبياته وإيجابياته, وناهيك عن مدى قرب وبعد من يحمل هذا المصطلح عن "حقيقة" هذا المصطلح واقعيا. ومثله تماما ما نسميه بالعالم الإسلامي. بل كذلك نحن أنفسنا كمسلمين.
لذلك يمكن إدخال جميع القنوات في العالم الإسلامي لتسميتها (قنوات إعلام إسلامية), مادام أصحابها يقولون (لا إله إلا الله). أما إذا أردنا أن نحدد هذا المصطلح بدقة على القنوات التي "تلتزم" حرفيا بتشريعات الإسلام, فذلك سوف يتنوع كذلك, فأي تطبيق نراه أكثر واقعية وترجمة للإسلام؟ ما يراه أحدنا واجبا, هو في مذهب آخر سنة مؤكدة, فكل يدعي وصلا بليلى, ولكن لا محاجاة في المسميات والمصطلحات, المهم الواقع العملي, وما ينتج عن هذا التحرك العملي في واقع الجماهير.
وتبذل هذه القنوات, على مستوى العالم الإسلامي, كما يقدم كل مسلم مع بعض التقصير وبعض التفاني, العديد من الأدوار في نشر الوعي بالإسلام والدفاع عن قضاياه. فليس عدلا أن نبخس الناس أشيائهم. وصحيح أن قنوات الإعلام الفضائية بالذات, مثلها مثل أي مسئول في الدولة يختلف أثر تصرفه عن شخص عادي في الدولة, لا بد أن تكون على مستوى المسئولية للواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي من ألم وأمل.
لذلك يمكن محاسبة القنوات الفضائية الإسلامية, دون تحديد لمدى قربها وبعدها عن الإسلام تطبيقا حرفيا مذهبيا, على أساس واقع العالم الإسلامي اليوم. هل "تعيش" هذه القنوات واقع العالم الإسلامي من طموح ومعاناة وأهداف وسلبيات, أم أنها تمارس (التَرْفيِع)؟
لذلك تجد نفسك وأنت تشاهد العديد من القنوات الفضائية كأنك (بٍتْرَفِع), وذلك يعني أن تعيش "نشوة" المخدرات لتضع نفسك في عالم آخر "يتناقض" مع واقعك المرير, الذي لا تقدر على مواجهته وتغييره, فتهرب إلى عالم المخدرات ولا تقدم شيئا "يتعامل" مع قضايا الأمة. بل أن بعض هذه القنوات يساهم في (زيادة الطِين بِلةً).
أما إذا أردنا أن "نحجر" واسعا فنحصر مفهوم القنوات الفضائية الإسلامية على القنوات التي "تلتزم" بتشريعات الإسلام حرفيا, فهنا حساب "عسير", كمن يسمي نفسه محمد, ولكن "يمارس" الخطأ جهرا نهارا, فكيف بمحمد هذا إذا كان إمام مسجد, أو مفتي؟
وقبل أن نُحاسب القنوات الفضائية الإسلامية, فلنكن واقعيين, فسيدنا عمر لم يعاقب السارق في عام المجاعة. إن "سعة" الخرق تجعل الحليم حيران, (فأتسع الخَرْقُ على الراقعِ). إن واقع العالم الإسلامي يحوي "الكثير" من السلبيات التي إذا أردت أن تحاسب على أساسها القنوات الفضائية الإسلامية فسوف تجدها "مُقصرة" بكل مقاييس الرحمة.
ولكن جميع هذه القنوات الفضائية الإسلامية تُقدم "ما تقدر" عليه ضمن منظورها للإسلام, وضمن الإمكانيات البشرية والمالية, بل الوقت المتاح في القناة الواحدة, كما يقول المثل الشعبي المكي (الزُقاق ضيق والحُمَار رَفَّاس) تخيل كيف يستطيع جمهور غفير أن يمر في زقاق ضيق فيه حمار متوحش- أعزكم الله - يرفس بمنة ويسرة؟
إن "حجم" السلبيات والطموحات التي يعيشها العالم الإسلامي هي أشبه بجمهور محتشد غفير أمامه شارع ضيق يريد أن يمر منه, هي قنوات "محدودة" زمانا ومكانا وإمكانيات. كم تتخيل من هذا الجمهور الغفير يستطيع أن يجد الفرصة ليمر من هذا الشارع الضيق؟ لذلك فالقنوات الفضائية الإسلامية مشكورة, بل ونقبل يديها ورأسها, لأنها "تقف" في وجه العاصفة ولم تلجأ إلى "التَرْفيع". ولك أن تتخيل من هو ذلك الحمار الرفاس- أعزكم الله؟ هل هو التكلفة الباهظة للعمل الفضائي؟ هل هو العقبات القانونية التي تضعها بعض المنظمات؟ هل هو ضغوط خفية؟ هل هو شياطين الإنس والجن؟
(2) هل نحن بحاجة إلى إعلام إسلامي فضائي ؟
إن "الواقع" الذي يعيشه العالم الإسلامي من سلبيات وإيجابيات يتطلب "النفير" لكل قادر على حمل سلاح الإعلام, خاصة الفضائي منه, لأنه أكبر مضلة و ذو دائرة أكبر, مما يعطيه فرصة أكبر "للتواصل" مع جمهور وشريحة أكبر, وكل ذلك فرصة أكبر للإصلاح والتغيير والتطوير والتنمية, وتحقيق "الطموح" القومي للأمة الإسلامية إسعادا وخدمة للإنسان, فالخلق – مسلم وكافر- عيال الله, وأحبهم إليه "أنفعهم" لعياله, (فلنكن أحب الخلق).
إن الإستنفار يعني أن "تتكاثف" كافة المؤسسات في التعامل مع مشاريع التنمية ومعاناة الأمة, بل والعالم - عولمة عادلة - الذي أصبح بتأثير القنوات الفضائية بحق قرية, بل وعائلة صغيرة, حيث, كما يقال, استطاعت القنوات الفضائية أن تلج إلى أماكن, مثل غرف النوم, لم تستطع أي أداة الدخول إليها.
ومن إحدى معاناة العالم الإسلامي في الوقت المعاصر, بوجه محدد مخصوص, ما نشهده من عنف وإرهاب, والذي أضنه, رغم العديد من الإيجابيات التي قدمتها قنوات الإعلام الإسلامي, مؤشر سلبي, ونقط سوداء في ملف الإعلام الإسلامي, الذي لم "يتنبأ" بالجيوب الخفية التي تتحرك في الدهاليز والأقبية, ولم يساهم في "ترشيد" الصحوة وتوجيهها في خدمة الإنسان, بل في قتله وتهديم أبراجه, ردود أفعال لا تنطلق من مبادي.
لذلك فنحن اليوم, أكثر من غيره, نحتاج إلى القناة الفضائية الإسلامية التي تستطيع أن تخاطب هذه الشريحة, وإلى قناة أخرى تخاطب شريحة أخرى. المقصود هنا أن قناة واحدة لن تخاطب كافة الشرائح, (إذا التعدد ظاهرة إيجابية), فلنخاطب كافة الشرائح فقد بعث الله في كل أمة رسول, ليخاطبهم بلسانهم, فقد أتسع الخرق على الراقع, ونحتاج اليوم إلى العديد من (الرقاعين), وقد تكالبت الأكلةُ على القصعة. إن وئد الحوار وكتم الأفواه يضاعف من فرصة حديث ألذات, والذي هو من أكبر مداخل الشيطان وسوسة وتصعيدا للأحداث. بل إن تعدد وتنوع مشاريع التنمية يعجز عن القيام بها العدد المحدود من ألوان الطيف.
لذلك نحتاج اليوم وغدا إلى قنوات وقنوات أكثر لتسع الطموح والواجب, فنحتاج قناة جادة تعالج الألم وتحقق الأمل, وأخرى تساهم في الرد والدفاع, وأخرى في الهجوم والعرض والدعوة. إن حجم الجماهير يحتم زيادة حجم الزُقاق, ناهيك عن ربط ذلك الحمار الرَفَّـاس.
إن الطموحات التنموية التي يعيشها العالم الإسلامي تستدعي استنفار كافة وسائل الاتصال, الحديثة والتقليدية منها, لتتحرك جميعها سواسية لتنتشر عبر كافة الشرائح الجماهيرية إيصالا لرسائل التنمية. وليس أفضل سعة وحجم دائرة من القنوات الفضائية. المهم هنا التخطيط والتنسيق والتكامل, فنكون جميعا رغم أننا أشتات, فلا بأس من التشتت والتنوع, مثلنا مثل باقة ورد متنوعة الأنواع والألوان.
(3) هل من الممكن أن يكون هناك خطاب إعلامي إسلامي موحد في عالم إسلامي يتناحر مذهبياً ؟؟
وتكلم للسؤال السابق, فإن الظاهرة الإيجابية ”تتحول" إلى سلبية إذا تعامل بها أصحابها بتصور أو بتصرف سلبي. وكذلك بالنسبة "للخلاف" المذهبي والدعوي والحركي الذي هو في حقيقته ظاهرة "إيجابية" تشير إلى "ثراء" العقل والثقافة. فلو شاء الله لجعل الناس كافة مؤمنين, ولكن لجعلهم مختلفون ومتنوعون, ولذلك خلقهم. بل إن جمال الطبيعة في تنوعها وتلونها, وتخيل معي أن ما حولك كله شكل ولون واحد, كيف تكون مشاعرك وحالتك النفسية؟ السأم والملل.
إذا ليس مطلوبا أن يكون هناك إعلام إسلامي موحد. ذلك تضيق لواسع. ليس من المعقول أن "نفرض" تصورا أو تصرفا, بل أنه سبحانه وتعالى لم يفرض علينا دينا, بل هدانا النجدين, وجعل الخيار لمن شاء من أن يستقيم. المطلوب هو العلم بما ما جاء في التوجيهات الربانية لأخلاق الإسلامية في التعامل مع الإنسان, ناهيك عن المسلم, فلا تنابز بالألقاب ولا حكم قضائي على من حولنا, بل دعوة, حتى لمن طغى, أن نقول له قولا لينا, بل ولا يجرمنا شنآن قوم أن نعدل معهم, فذلك أقرب للتقوى. إن التناحر المذهبي ليس سببه المذاهب, بل همُ الأتباع الذين لم "يتخلقوا" بأدب الخلاف.
إذا الدعوة ليست إلى "توحيد" الرأي والمذهب, بل إلى "التخلق" بأدب الخلاف والدعوة, بل والقتال, فلا نقتل طفلا ولا نحرق شجرة, ولا نهدم أماكن العبادة, فلا يجرمنا شنأن قوم, ولا نزر وازرة وزر أخرى, بل نتحرك في خلافنا من منظور أننا جميع – مسلم وكافر - عيالُ الله, فلنكن من أحب الخلق إليه, سبحانه الودود, بأن "ننفع" هؤلاء العيال. نلك هي إحدى جوانب بين الإعلام الإسلامي رسالة للخلق: النفع.
إننا في زمن نحتاج فيه حتى إلى المؤلفة قلوبهم, بل ندفع لهم من الزكاة ليُكَثِروا من الصف المسلم. ليس الوقت الآن هو زمن محاسبة وتوجيه الأصابع نحو بعضنا البعض تفسيقا وتكفيرا. الوقت وقت "تغافر" وتسامح وتوجيه الأصابع والأيدي للبناء, كل قدر استطاعته, بدلا من تبادل الإتهامات, فيستطيع أحدنا أن يتصدق ولو بِشقِ تمرة, بل وأن يلقى أخاه بوجه طلق. ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث لم يقتل المنافقين وهو – صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأسمائهم وحيا من الله.
(4) القنوات الفضائية الإسلامية هل هذا هو الرد الإعلامي الأمثل على عصر العولمة وسقوط الحدود؟؟
بداية, يجب التفريق بين الواقع أو النموذج من جانب, وبين الحقيقة التي يمثلها هذا الواقع ومن المفروض أن تعبر عنه بواقعية ومصداقية من جانب آخر. إن العديد من النماذج لا تعبر عن الحقيقة التي تمثلها وتنتمي إليها, فقد تجد شخصا ينتمي إلى عائلة الشرف والكرم, ولكنه لا يمثل هذه العائلة التي ينتمي إليها, فهل كل سعودي يمثل الشخصية السعودية التي تفتخر بالانتساب إليها. وكذلك أي مسلم منا هل يمثل حقيقة الإسلام, مهما أدعى أحدنا أنه مسلم بقدر استطاعته. هل يستطيع أحدنا أن يقول ملء فمه : أنا النموذج الإسلامي.
وكذلك بالنسبة إلى القنوات التي ترفع راية الإعلام الإسلامي, هل تمثل في طرحها الإسلام بمفهومه الواسع, أم أنها لا تزال امتدادا للطرح الإقليمي الذي "يلون" الإسلام بالمنظور الإقليمي Local Version . لذلك جاء الدعاء القرآني : اللهم لا تجعلنا فتنة للذين كفروا, بل نقولها كذلك إقليما : اللهم لا تجعلنا فتنة للذين أمنوا.
لذلك فإذا كانت بعض القنوات الفضائية لا تزال تطرح الإسلام الإقليمي, فهل هذا حجة على عدم مصداقية عالمية الإسلام؟ بل هي حجة على أصحابها الذين سوف يكونوا فتنة للذين كفروا, وبل للذين أمنوا. إن العولمة الحق هي المنظور الإسلامي الذي يرى "جميع" الخلق عيالا لله كلهم لآدم نسعى لأن "ننفعهم", فمن أحيا نفسا, ولم يقل سبحانه مؤمنا, فكأنما أحيا الناس جمعيا, وفي كل كبد رطب صدقة, ولا ينهانا الله عن أن"نبر ونقسط" مع من لم يحاربنا في ديننا ولم يخرجونا من ديننا, بل وطلب منا – الودود الرحيم - أن نقول قولا لينا لمن طغى, فنحن دعاة, ولسنا قضاة.
ونستطيع أن نستلهم من تعدد الرسل, حيث بعث الله في كل أمة رسولا بلسان قومه فقها واقعيا ومراعاة لظروف الزمان والمكان, أن ندعو القنوات الفضائية الإسلامية أن تتعامل مع الواقع فقها يراعي مقاصد الشريعة, ولنتذكر الفقه الذي تدرج في التشريع إيمانا ثم إسلاما بل وتدرجا في التحريم, بل لم يقطع يد السارق وقت المجاعة, بل وفي توعد الأب بقطع يده إذا ألجأ ابنه للسرقة.
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام ،،،
أخوك
د. أسامة صالح حريري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق