الأحد، يوليو 06، 2008

علاقة البرمجة اللغوية العصبية بالإرهاب -2

تم النقاش سابقا - عموما – عن الدور "الوطني" الذي تقوم به دورات البرمجة اللغوية العصبية في المملكة العربية السعودية في "مواجهة" ظاهرة الإرهاب بطريقة لغوية, منهجية, تناقش العقل, لتصنع فيه "مناعة" ضد ما يمسى (بغسل الدماغ). وقد تم بيان ذلك من خلال توضيح الخطأ الذي يقع في الإنسان من خلال (تصعيده) للأحداث, وكيف أن متصيدي الأخطاء "يتصيدون" في الماء العكر, ليا لأعناق الأحداث.
وقبل الخوض في الحديث فلنفرق بين أن المسلم يحق له أن يرهب عدوا الله بأن يعد له العدة, وبين أن يكون المسلم ارهابيا. ذلك أن القيام بالفعل لا يعني وجود الاسم. المسلم "يُرهب" عدوا الله, ولكن ذلك لا يعني أن السلم "ارهابيا". لذلك نرفض الإرهاب, رغم أننا نُرهب عدوا الله.
واليوم, بعون الله, سوف نتناقش - تفصيليا – إحدى التقنيات التي تشرح كيفية مواجهة الإٌرهاب من خلال تقنية (المستويات المنطقية), والتي تعتبر من أقوى التقنيات اللغوية في البرمجة اللغوية العصبية لأثارها المتعددة في التربية والتغيير, وفي مواجهة مكائد "التصعيد". وهذا دليل آخر على أهمية (مهارات الاتصال) في متطلبات تخرج الطالب الجامعي, ناهيك عن تكوين وتأهيل المعلم, وعلى ما يمكن أن تقدم البرمجة اللغوية العصبية, وخاصة في أوقات المحن.
تقوم هذه التقنية على أساس "تقسيم" معلومات العقل والحياة إلى مستويات "يقود" بعضها إلى البعض الآخر (تصاعديا وتنازليا), مع اختلاف درجة القوة والثبات بين كل من التكوين لتصاعدي والتكوين التنازلي. وهذه المستويات, صعودا من العمق إلى السطح, هي : (1) الهوية, (2) القيم, (3) القدرات, (4) السلوك, البيئة. ذلك يعني أن الهوية تصنع القيم. ثم تعمل القيم على إنتاج القدرات. ثم تقوم القدرات بإنتاج السلوكيات. وخلاصة كل ذلك البيئة, والتي تشبه مظلة أنتجتها العوامل السابقة, وبالذات السلوك.
ويمكن بالعكس من خلال الدعم والمساندة الخارجية أن تؤثر البيئة في إنتاج السلوك, والذي بدوره يصنع القدرات, والتي تعين على تكوين القيم, ومن هناك تتكون هوية جديدة للفرد.
المهم في الموضوع أن يتم "التواصل" بكل مستوى من خلال "حرف" محدد لكل معلومة في مستواها المنطقي :
(1) المعلومة في مستوى الدائرة الخارجية, وهي البيئة, فنواجهها بسؤال : (أين & متى) حصل ذلك؟
(2) المعلومة في مستوى السلوك, ما تحت دائرة البيئة, فنواجهها بسؤل : (ماذا) حصل؟
(3) المعلومة في مستوى القدرات, الدائرة التي تحت السلوك, نواجهها بسؤال : (كيف) حصل ذلك؟
(4) المعلومة في مستوى القيم, للدائرة تحت القدرات, نواجهها بسؤال : (لماذا) حصل ذلك؟
(5) المعلومة في مستوى الهوية, والتي هي الدائرة الأصغر وفي العمق, نواجهها بسؤال : (من) فعل ذلك؟
لذلك فإن "الطامة" الاتصالية أن "تفترض" وتحدد بنفسك, عشوائيا, وبدون دليل لديك لك من الله به سلطان, "مستوي" المعلومة "فتفترض" - مثلا- الخطأ في مستوي القدرات, أو تجعل القضية أعمق فتشكك في القيم, أو أن تكون أكثر تهكما فتشكك في الهوية. وصدقني أنك بافتراضك العشوائي تشير حقيقة إلى نفسك. كأن تحليل الآخر, بدون موضوعية ومصداقية علمية, تحليل, بل وفضح للذات.
الحق أن تبدأ بالبحث في المستوى السطحي "للبيئة", فتسأل : (أين ومتى حصلت المشكلة؟) ومثال ذلك أن يقدم لك الموظف تقريرا مكتوبا بطريقة خاطئة. وبعد سؤالك, اتضح أن الذي طبع الخطاب كان في غرفة ذات إضاءة سيئة, وبجوار مكتب الموظف توجد ورشة عمل ذات ضوضاء عالية. هنا يكون الحل بتغيير البيئة التي كانت هي "السبب" في كتابة ذلك التقرير بطريقة خاطئة.
ولكن في حالة عدم وجود خطأ في البيئة, فبعد ذلك يحق لك منطقيا أن تغوص تدريجيا, وتنازليا في البحث عن الأسباب "السلوكية" لتي أنتجت الخطأ. وهنا تجد أن الذي كتب التقرير لا يعرف "ماذا" يكتب في التقرير. وهنا يكون العلاج سلوكيا بتعليمه "ماذا" يكتب في التقرير المالي, الذي يختلف عن التقرير الحسابي, والذي يختلف عن تقرير الميزانية. وهنا قد يكون العلاج كافيا. وقد يضطرك الأمر أن تستعين بأساس سلوكي لتثبيت البيئة. وقد تضطر أكثر أن تستعين بأساس من القدرات لدعم السلوك.
فكل مستوى يعتبر (مرجعية وقاعدة تثبيت) لما فوقعه من مستوى. ذلك يعني أن القيم "تعتمد" على قاعدة الهوية. وكذلك القدرات "تعتمد" على قاعدة القيم. وكذلك السلوك "تعتمد" على مستوى القدرات.
وفي حالة فشل العلاج "السلوكي" لتوضيح "ماذا" نفعل للقيام بالإيجابية أو لتجنب السلبية في البيئة المطلوبة, يحق لك أن "تغوص" أكثر لتبحث عن "القدرات" السلبية التي كانت سببا في وقوع الخطأ, أو عن القدرات المطلوبة لإنتاج الإيجابية. وهنا نقوم بتوضيح "القدرات" المطلوبة في "كيفية" تجنب السلبية, أو القيام بالإيجابية. وفي حالة المثال السابق قد يكون السبب أن الموظف لا يعرف "كيف" يكتب تقريرا من الأصل, ما يعني أن يحتاج إلى دورة تكسبه "القدرة" علي معرفة "كيفية" كتابة التقارير.
وفي حالة فشل العلاج في مستوي القدرات, يحق لك أن تغوص أكثر لإنشاء "القيم" المطلوبة, وذلك من خلال بيان السبب و"لماذا" نقوم بتجنب تلك السلبية, أو نقوم بتلك الإيجابية. وهنا قد يحتاج الموظف إلى قناعة عن "أهمية" التقارير في تطوير المؤسسة, وفي تجنب الأزمات, والتنبؤ بها قبل حدوثا, أو في الحد من تفاقمها.
وفي حالة فشل العلاج في مستوى القيم, يحق لك هنا أن تغوص أكثر مع الفرد لمناقشة "الهوية" لتوضيح "من" نحن, أو من هو ليقوم بهذا التصرف. قد يكون في قضية هذا الموظف "أنه" ليس محاسبا, بل مجرد كاتب آلة. وهنا لن تنفع معه جميع الحلول السابقة, بل أن المشكلة تنبع أصلا من هويته. "هو" ليس محاسبا. هو كاتب آلة.
وقد تستطيع أن تتجنب كل تلك المراحل بأن تسأل الآخر أن يتحدث هو نفسه عن الذي حصل. ومن خلال حديثه "أبحث" ضمن كلامه عن الأحرف والضمائر. ذلك أن الآخر سوف يتحدث ويشير بنفسه إلى مستوي المعلومة. مثال ذلك أن يبدأ الحديث بقوله : (أصلا موضوع التقارير "أنا" لست مقتنع به). هنا تعرف بسرعة أن معضلته نبعت من مستوي القيم.
وهنا يحق لك, بموضوعية ومصداقية علمية, أن "تربط" بين السلوك والقيم, "فتغوص" فورا في معالجة المعضلة إلى "عمق" القيم, بدلا من إضاعة الوقت في الغوص المرحلي التدريجي الذي يمر بجميع المراحل.
ومن هنا يدخل الإرهاب في القفز من مستوى إلى أخر, بدون دليل يحمل المصداقية والموضوعية العملية, وبدون ترتيب منطقي, فيتهم القدرات, أو القيم, أو الهوية, لمجرد وجود أخطاء سلوكية, مهما عظمت, ليقوم "بتصعيدها" على مستوي الوطن, كما قيل في المقال السابق, ثم يقوم هنا "بإسقاط" المشكلة في غير مستواها المنطقي.
ومن هنا يتهم الإرهابيون هوية وقيم أفراد الوطن بما ليس فيها, "فيجعلون" فيمن يغسلون أدمغتهم "العذر" في القتل والتخريب, كأن هذا المجتمع المسلم قد أصبح كافرا يحل دمه, فقد أصبحت هويته غير مسلمة. وهنا ينطلقون بحثا في سيرة المصطفى صلي الله عليه وسلم عما "يعضد" منظورهم, مع اختلاف السياق.
بل نجد مثل هذا الأسلوب في (التفكير العنيف) في مجال التربية والتعليم حيث يتهم المدرس قيم الطالب بعدم الاهتمام بالعلم, بل ويغوص في هويته– بغير حق – فيتهمه بأنه إنسان مهمل لا يقدر قيمة المستقبل, ولا يقدر تعب والديه في تعليميه. كل ذلك تشكيك في القيم والهوية, لمجرد أن الطالب لم يقدم الجواب الصحيح الذي يعرفه المدرس. وقس على ذلك ما يقوله الإرهابي لشبابنا عن الأخطاء, التي لا ننكر في الوطن الحبيب.
هل بدأ المدرس, أو الإرهابي, بعلاج البيئة أولا؟ هل قام بتعليمنا السلوك الصحيح في إعطاء الجواب المطلوب؟ لماذا شكك في الهوية أو في القيم, ولم يبدأ بالبيئة, أو السلوك, أو حتى القدرات. ذلك هو التصيد للأخطاء ولي أعناق الأحداث.
وقد يكون العلاج عكسيا بدأ بالهوية, وذلك هو التأصيل الحق الذي سارت عليه الدعوة الإسلامية, فيبدأ الذي يحمل منهجا إصلاحيا, بأن يصنع في جمهوره الهوية التي يرى أنها إسلامية حق, كما فعل عليه الصلاة والسلام في الدعوة المكية, حيث كانت المرحلة العقائدية في تكوين هوية جديدة للإنسان متصلا بالله, عابدا له. ثم جاءت مرحلة تكوين القيم, فجاءت قيمة الآخرة والأخوة الإسلامية. وبعد ذلك تكونت, تلقائيا, القدرات فاستطاع العربي أن يتوقف عن الخمر, بعد أن كان عاشقا لها.
وهنا تقول عائشة, رضي الله عنها: لو كان أول ما نزل لا تشربوا لخمر, لما انتهى أحد. وكانت تقول, رضي الله عنها : كنا نؤتى الإيمان ثم الإسلام. رضي الله عنها فقهت المستويات المنطقية قبل أن تصلنا من الغرب في قالب علمي مؤصل جديد. ولكن لا عيب, بضاعتنا ردت الينا في قالب جديد علمي, مققعد, وموصل.
لذلك يكون الحل, تصاعديا, بأن يقوم صاحب المنهج الإصلاحي الصحيح بتعليمنا الهوية الصحيحة للمسلم, ثم يصعد معنا في بيان ما تصنعه هذه الهوية من قيم دينية تصنع القدرات المطلوبة, والتي بدورها تنبثق منها سلوكيات إسلامية. وهنا تجد الحياة والبيئة قد أصبحت إسلامية. ألا تتفق معي أن هذا هو المنهج القرآني النبوي "التصاعدي" من العمق إلى السطح في التربية والتكوين والتغيير؟
أما الحل التنازلي فمن أجله تم سن القوانين والدساتير والأحكام والعقوبات. إن دور هذه العناصر هو المحافظة على البيئة الإسلامية من العناصر الدخيلة التي قد تصنع سلوكا جديدا, والتي قد تغوص "بالتكرار" إلى مستوى القدرات, ثم تغوص أكثر "بالتكرار" إلى عمق القيم. وهنا بعد فترة تجد أمامك شخصا وهوية جديدة. وهنا تكمن الخطورة في "العيش" بين الكافرين, وكذلك خطورة المعلومات لتي "تبثها" القنوات الفضائية في بيئة المجتمع الإسلامي, والتي تدريجيا, بالتكرار, تصنع هوية متناقضة مع الهوية الأصلية اهذا الوطن.
إن التسلسل السابق يعطي المتدرب في البرمجة اللغوية لعصبية "القدرة" العقلية والعلمية على "مواجهة" متصيدي الأخطاء (الذين يضعون الأسئلة في غير موضعها) فيتهمون القيم, أو القدرات, أو الهوية, مجرد الأخطاء السلوكية, أو التي يكون سببها البيئة, فقط.
لذلك فإن الخطأ, كل الخطأ تربويا وتغيريا وعلاجا للأخطاء, أن "نقرن" بين الخطأ السلوكي وبين القدرة, ناهيك أن نربطه بالقيم, فكيف بنا إذا ربطناه بالهوية؟ وهنا نتذكر مقولة المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم, لأسامة بن زيد, حين قتل الذي قال لا إله إلا الله بعد أن رأي الموت : (هلا شققت عن قلبه(. تلك هي “الهوية” التي لا نملك أن نغوص إليها دليلا. ولذلك لم يقتل صلى الله عليه وسلم المنافقين, وهو يعلمهم بأسمائهم وحيا من الله عز وجل. ومن هنا جاء التفريق في قتل من ترك الصلاة حدا و كفرا. الفرق هو أن السلوك قد ينبثق من قدرات, أو من قيم, أو من هوية متنوعة, بل ومتناقضة.
ذلك هو "التدرج" في العلاج, والتطوير, والتغيير على كافة مستويات وأبعاد الاتصال الأربعة, التي سبق ذكرها في المقال السابق. وللحديث بقية عن تقنيات "التحجيم", علاجا للعديد من سلبيات "التصعيد السلبي" مع الذات أو مع من حولنا, ولنواجه به أكبر مدخل في وسائل "التصعيد" - أداة الإرهاب- كم أشار في المقابلات التلفزيونية مع المشايخ الذين عادوا إلى جادة الصواب.
والله الهادي إلى سواء السبيل.

ليست هناك تعليقات: