السبت، يوليو 05، 2008

(هابيل + قابيل = هاقيل)

كن: (ملاكا & خالد)
ما هو أقوى دافع "يحرك" الإنسان؟ لماذا تنشب الحروب؟ بل، لماذا تقوم الحضارات؟ لماذا يعشق الإنسان ويحب غيره؟ لماذا يسعى أحد منا أن يقصي ويزيح الآخر عن طريقه؟ لماذا يتصدق أحدنا بما يتعب في الحصول عليه؟ تساؤلات عديدة لتحركات سلبية وأخرى إيجابية في حياة الفرد والمجتمع قد لا نجد لها إجابة يتفق عليها الجميع.
إن جميع تلك "السلوكيات" تطلقها "قدرات" تنطلق في الإنسان لتجعله يتصرف سلوكيا بطريقة معينة. إذا "السلوك" جاء من "قدرة" حركت الإنسان لينتج عنه سلوكاً محدداً. المهم هنا أن "القدرة" قد انبعثت أصلا من "قيمة" أو دافع، أو باعث محركٍ لها. هذه "القيمة" نستطيع أن نشبهها بأنها "جمرة" تجعل الطعام "ينضج". إذاً القيم هي "دوافع" الفرد للتحرك، هذه الدوافع قد "تخفى" على صاحبها، ولكنها رغم ذلك "تدفعه" – لا شعوريا - للتحرك، كأنها نملة سوداء، على صخرة صماء، في ليلة ظلماء، دافعا "خفيا". الأهم هنا أن هذه "القيمة" تنطلق أصلا من "هوية" في فطرة الإنسان. كما تشاهد في الشكل المرفق.
المهم هنا بيان فاعلية "القيم". إن معرفة "السبب" في تحرك وتحفيز الإنسان هو السؤال المهم في التنمية البشرية والتطوير والعلاج للإنسان والمؤسسة صغيرها وكبيرها. وتستطيع معرفة تلك القيم والدوافع عبر قصة آدم في الجنة، وكيف استطاع الشيطان أن "يحفز" آدم وحواء "ليتصرفا" كما يشاء الشيطان. لقد جاء في قوله تعالي : (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) ٢٠، الأعراف.
المهم في هذه الآية الكريمة بيان "للمدخل" الذي جعل كل من آدم وحواء يأكلا من الشجرة المحرمة، رغم أنهما في الجنة، التي فيها ما تشتهي الأنفس، وما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولم يخطر على قلب إنسان. ورغم "جميع" ذلك، أستطاع الشيطان أن "يدخل" عليهما من أقوى "قيمة" محركة وباعثة ومحفزة في النفس البشرية : (الخلود & الملائكية)، لدرجة أن الإنسان، رغم ما فيه من خير كالجنة، "تطلع" إلى شيء "آخر". وهكذا أستطاع الشيطان أن "يحفز" الإنسان بهذه القيمة الفعالة التي لا يستطيع الإنسان أن "يقاومها".
إن قيمة (الخلود) يعني أن "يستمر" الفرد فينا حيا "مذكورا" لأطول فترة يقدر عليها، بل والخلود الأبدي بلا نهاية، (ليستمر أسمه - خالدا - بعد جسمه الفاني). وهذه هي صفة وشخصية (قابيل). ومن هنا تأتي "القدرة" في التحرك "سلوكيا" لتصرفات الجنس، والأكل، والشرب، والدفاع عن النفس، وطاقة الغضب، والدفاع عن النفس،،،الخ. وكل ذلك نتيجة لقيمة بقاء النوع – خلودا - فينطلق منها جميع ما يتعلق بالجانب الجسدي والعلمي. وكل ذلك لإشباع قيمة "الخلود" المغروسة في أصل الفطرة. إن هذه العناصر تنطلق من أصل خلقة الإنسان (قبضة من تراب). إذا "قيمة" (الخلود) جاءت من "هوية" (الطين).
وتعني قيمة (الملائكية) العلاقة الروحية، والصفاء النفسي، وجميع ما يتعلق بالجانب النفسي والعاطفي والفني. وذهه هي صفة (هابيل). ومن هنا تأتي (القدرة) في البحث عن العاطفة، والصفاء، وعمل الخير، وحب الشعر، والفن،،،الخ. وكل ذلك لإشباع قيمة "الملائكية" المغروسة في أصل الفطرة. وجميع ما يتعلق بالجانب النفسي والأدبي. إن هذه العناصر تنطلق من أصل خلقة الإنسان (نفخة من روح الله). إذا "قيمة" الملائكية جاءت من "هوية" (الروح).
وما تتخيل لو تم الجمع بين صفات هابيل وصفات قابيل لنصنع الشخصية الإسلامية التي تجمع بين صفات ( البقاء)، التي يتميز بها (قابيل). وبين صفات (الصفاء) التي يتميز بها (هابيل). وبهما معا نصنع (هاقيل).
إذا هوية الإنسان أنه (قبضة & نفخة). إذا، القيم التي تحرك الإنسان هي: (الخلود & الملائكية). وهكذا نفهم "لماذا" يتحرك الإنسان في أي قدرة ينتج عنها سلوك محدد. وهكذا سوف تجد أن الدافع لأي تحرك: (الخلود أو الملائكية). وينتج عن جميع ذلك "بيئة" تختلف عن بيئة أخرى بحسب كيفية التعبير السلوكي عن تلك القيم.
وهذا هو تفسير وجود "بيئة" الحضارة الغربية "خلودا" متجها "بقدراتها" ورأس البشرية نحو الأرض "قيمة" نتجت عن "هوية" الطين الأرضية. وهذا هو تفسير "بيئة" الحضارة الشرقية ملائكية متجها "بقدراتها" ورأس الإنسانية نحو السماء "قيمة" نتجت عن "هوية" الروح الربانية. وهذا هو تفسير وجود التخصص العلمي - طينا وخلودا - والأدبي – روحا وملائكية :Art & Science. وقد يكونا معا، ومن أجل ذلك جاء الإسلام منهجا وسطا، توازنا وشمولية : قبضة & نفخة، خلودا & وملائكية.
بل وقد يكون هذا تفسير خطأ تربية البشرية على منهج الديانة المسيحية المنحرفة على ملائكية التوجه، فأنتجت منهج الضالين. ثم جاءت خطأ التربية الأخرى عبر الديانة اليهودية المنحرفة على خلودية التوجه، فأنتجت منهج المغضوب عليهم. وجاء الإسلام منهجا وسطا صراطا مستقيما، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وإذا بحثت في أي تحرك و"تتابعت" مع المتحرك في أي سلوك يقوم به، سوف تجد أن الدافع "البعيد" جدا، بل و"الخفي" عن صاحبه، كأنه نملة سوداء، على الصخرة السوداء، في الليلة الظلماء، هو الخلود أو الملائكية، أو هما معا،ولا شيء غير ذلك.
بل تجد هذه القيمة - الموجودة في تركيبة الخلق الإنساني حكمة ربانية -هي "الباعث" المُحفِز، والخفي، والبعيد لأي تحرك، حتى وإن كان سلبيا، كأن الفطرة "تحركت" ولكن لم تجد لها "إشباعا" إيجابيا، كأن تجد أحدنا يجوع - لإثارة من فطرة ربانية، ثم يأكل ما حرم الله – تصرفا إنسانياً خاطئ إشباعاً لفطرة ربانية. ومن هنا يأتي "التطوير" بإيصال الإنسان إلى الباعث "الحقيقي". ومن هنا يأتي الإسلام إشباعا إيجابيا للقطرة الإنسانية – هوية وقيما – لتنطلق في الإنسان قدرات هائلة ينتج عنها سلوكيات إيجابية : توازنا شموليا، حضارة لأمة وسطا.
إذا "الهوية" - طينة روحا - هي منبع "القيم" – خلودا وملائكيةً، والتي هي المُحرك "للقدرة"، والتي هي أصل "السلوك"، ومن جميع ذلك تبني "البيئة". ومن هنا يأتي السؤال المهم : ما هي الحكمة الربانية من جميع ذلك، وكيف نستثمره تعبئة وتحفيزا فرديا ومؤسساتيا؟ هذا هو موضوع المقال التالي، بعونه تعالي، سبحانه، سبحانه، سبحانه.

ولله الحمد والمنة
د. أسامة صالح حريري
عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
0505581011
Ohariri5d@Gmail.com.

ليست هناك تعليقات: